في ذاكرة الأردني مرسوم صورة بشعة لمبدأ الدعم النقدي لأكثر من سبب، أهمها أن فيها هدرا للكرامة وتلاعبا من الحكومات، والثاني يرتبط بقيمة الدعم ومدى الالتزام بتقديمه، لأنه وإن كان يسهل إيصاله لموظفي القطاع العام فإن على بقية الأردنيين أن يتقدموا بطلبات للحصول على هذه المبالغ الزهيدة.
بالعودة سنوات للخلف نتذكر تجربة الأردنيين مع الدعم النقدي إبان حكومة معروف البخيت، حيث قدّم الدعم لمرة او اثنتين ثم توقف، فكان الدعم النقدي مخدرا لاتخاذ القرار الصعب وتمريره.
الفكرة جاءت لتخلي الحكومة عن بند دعم المحروقات مقابل دعم نقدي مباشر يصل للناس. وبالفعل طبقت الفكرة لكن العيوب التي اكتنفتها معنويا وتنفيذيا تركت الانطباع السلبي عنها، إذ أعطت تلك التجربة الناس أنموذجا جديدا لخداع الحكومات التي لم تستمر بالدعم بل تخلت عنه، بحيث لم تستمر التجربة لأكثر من عام.
بعد ذاك عادت أسعار النفط لتحلق ومعها ارتفعت الكلف، وعاد بند الدعم مجددا للموازنة العامة، وظل العبء كما تصفه الحكومات حتى العام 2012، وكان الموعد مع حكومة د. عبدالله النسور الذي قرر بين ليلة وضحاها تحرير المحروقات وتخلّص من بند مالي في الموازنة العامة كانت تقدره وزارة المالية بنحو 800 مليون دينار سنويا وقدّم في حينه الدعم المالي أيضا لفترة محددة ثم توقف من جديد.
المهم، غادرنا تلك الفترة العصيبة بسلام بعقلانية المجتمع وتمسكه بأمنه واستقراره، لكن مرة أخرى تحررت المحروقات ولم تلتفت الحكومة في تلك المرة حتى لفكرة تقديم الدعم النقدي وتركت الناس والمجتمع لمواجهة مصيرهم، اليوم نعود لسيمفونية تقديم الدعم لمستحقيه، لكن هذه المرة تتعلق القصة بالخبز.
بالمناسبة، حجم الفاقد من إجمالي دعم الخبز الذي أمطرتنا الحكومات بالحديث عنه لا يتجاوز 60 مليونا من أصل 200 مليون تقول الحكومة إنها تخصصها لدعم الخبز، ويذهب الفاقد لغير الأردنيين وسوء الاستخدام.
القصد أن المبلغ الذي تسعى الحكومة لتوفيره من خلال الدعم النقدي للأردني يبلغ 60 مليونا فقط، والتوقف عند هذا الرقم مهم حتى تتم الموازنة بين الغاية والأهداف وبين التبعات والنتائج المترتبة عليها.
في البدء يلزم تعريف فكرة الخبز أو العيش لدى الأردني، فهو ليس تونا أو بولابيف بل هو حاجة أساسية ووجبة كاملة لعديد أسر لمن لا يدري، وهي ركن أساسي في كل الوجبات، هذا إن توفرت الأصناف الأخرى.
الركن الآخر أن الخبز وأهميته لا تقتصر على أنه سلعة استهلاكية فقط، فهو في وجدان الأردني وذاكرته مسألة سياسية وفيه رمزية عالية لفكرة صون الحكومات لكرامة الناس وحفظ ماء وجوههم.
ثم إن صدقت التقديرات التي تقول إن الدعم النقدي سيبلغ 15 دينارا للفرد، فالسؤال كيف ستدير الأسر هذه المبالغ وكيف لها أن توزع المبلغ طوال العام، مع الإشارة إلى محدودية مداخيل الأسر الأردنية والتي يقل دخل 50 % منها عن 600 دينار للأسرة البالغ عددها 5.2 فرد، فيما تعاني الأسر أصلا من فجوة واسعة بين نفقاتها ودخلها، ما يعني أن حال الأسر سيسوء أكثر وربما تتحقق فعلا عبارة 'مش لاقين خبز ياكلوه'.
فليتشدق صندوق النقد وخبراؤه بكل عبارات النقد حول التشوه الكبير في بند دعم الخبز، وليكرر مسؤولونا العبارات ذاتها، فذلك لن يغير شيئا من واقع مؤلم، يؤكد أن آلاف الأسر لا تجد الخبز فعلا.
المبلغ زهيد ولا يساوي شيئا مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، ومقارنة بحجم الإنفاق العام الذي نفخت فيه الحكومات دون وعي وإدراك ليبلغ نحو 10 مليارات دينار، والأسلم أن نتجنب قُوت الفقراء، وأن لا نزيد تعقيد حياتهم، فللخبز بعد خطير لا يدركه خبير أجنبي جاءنا من هناك ليعالج أخطاءنا، ولا يعرفه محاسب غارق في الأرقام، ويتناول الساندويش المعد بخبز فرنسي وهو يتخذ قرار رفع الدعم!
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو