قد يجد البعض ما سأقوله غريب،جنون،ضرب من الخيال،سيعتبره غيري بعثرة لبعض الفوضى في أروقة القدر، لكن أقسم بأن هذا ما حصل فعلا .
كنا حينها في مرحلة المراهقة،حيث نجد الحب أغان نسمعها،مثل بعض الأفلام التي نشاهدها،قصص من بعض ما كان يتسنى لي قراءته في أوقات فراغي،اعتبره مثل اللعب بالدمى عند الأطفال. شوق دائم لرؤية الشمس،هو مثل حصولي على أفضل العلامات في كل فصل،واهم من ذلك كنت أجد أقوى تفاصيل الحب في تلك الرسالة التي كتبتها لها يوما ما.
يعلم جميعكم أن أيا من مراهقي الحب مر بتجربتي هذه،قد تكون أنتم أنفسكم مررتم بها،عرفتم ماذا تعني رسالة الحب الأولى،ومن المؤكد أن أصعب لحظة في هذه التجربة إيصالها لمن نحب .
أذكر التاريخ دوما الواحد والعشرين من آذار،أول أيام فصل الربيع،و فترة بداية العام الدراسي،يوم يعتبر بداية كل شيء، تتزين الأرض بالأخضر،وتتعلق أزهار اللوز على الأغصان،وتزغرد طيور السنونو زغرودة العودة بعد رحلة شتاء طويلة ، ما كان اغرب من ذلك أن في هذا اليوم تحديدا،كانت شهية السماوات للمطر كبيرة،غيوم رمادية مثل شرنقات دود الحرير تغزل القطرات،استفزتني بشكل فظيع وأنا أشاهدها من نافذتي،حركت فيٌ ركود خريفي،أنعشتني ، وبدأت تنساب من قلمي كلمات مثل انسياب المطر بل وأجمل ، لها رائحة المطر تماما،بللت عيوني الذابلة الناعسة في هذا الليل،أظنها –مع إيماني بنجاح روايتي هذه – أجمل ما كتبت لحد اللحظة،فما نؤمن به داخلنا يفسر من كل وجهات النظر بنفس الإحساس،وما نكتبه لأنه واجب تفرضه علينا طبيعة المهنة،سيفسر بطرق مختلفة وسيتفق الجميع على انتقاده.
أوجه تحيتي لمن أحببت،وأقول أن ما كان سيصلك هو باكورة أعمالي،أفضل ما كتبت،ولو عرفته حينها لاعتزلت الكتابة مؤكدا ، فلن أعبر عن ما يختلج بداخلي أفضل مما عبرت،لا أذكر من وقتها لحد الآن أنني تطرقت لموضوع الحب بعد كتابتي لتلك الرسالة .
انتابتني نوبة جنون تماما كما الأزقة والشوارع،شعرت أنها اللحظة المناسبة لأعطيك رسالتي،لأسلم عليك، واهديك قلبي،كنت أظن أن مغامرتي يجب أن تكون مميزة،وضعت رسالتي في ظرف أبيض رسمت عليه قلبا صغيرا،أضحك كثير كلما أذكر ماذا كتبت عند اسم المرسل هه أتعلمين ؟؟ سجلته من عاشق،كلكم ستقولون وما المضحك بكل بساطة سأجيبكم براءتي حينها كانت مدهشة تبعث على الضحك.
وضعت معطفي علي،تسللت خلسة من غرفتي خيفة أن أوقظ والديٌ،فيثنياني عما كنت سأقوم به،وتتوقف مغامرتي عند بدايتها،كادت أن تكون كذلك حينما فتحت باب المنزل لأهم بالخروج فلقد خرج صرير شعرت كأنه مثل أجراس الكنائس،أو مثل طبول الحرب حينها .
خرجت من هذا الشعور بسرعة، ورغم البرد الذي يلف المكان لم أحس به،فما كان داخلي يكفي لإشعال المدينة بأسرها،توجهت للشارع الخالي من المارة،إلا بعض المشردين،و أعمدة الإنارة المستلقية على الجانبين بطريقة مميزة، ظننت بأني أحلم،وعندما وصلت منزلها كانت غرفتها الوحيدة المنارة،دققت جرس الباب،وبدأت دقات قلبي تتزايد،لا أعرف السبب؛ انتظارها أم من قوة الرياح والبرد،وحين فتحت الباب طارت الرسالة ...
نعم طارت الرسالة من يدي ولم استطع الإمساك بها،لقد قذفتها الرياح بعيدا جدا، وبنفس الوقت نادت اسمي !!!! أهي صدفة أم أن القدر مستعد دائما ليعكر صفوي،سألتني ماذا أفعل في هذا الجو الماطر أمام بيتهم؟؟ تجمد في هذا الوقت تحديدا لساني من البرد،شعرت بالقشعريرة وحينها أجبتها سريعا: كتابي .. نعم نسيت كتابي في المدرسة وعندي امتحان بعد غد فجئت لاستعير منك كتابك،لا أظن أنها صدقتني لكن ما أهمية كلامي وماذا سيحصل بعدها أكثر .
انتهت القصة،ومن وقتها لم أعش أي قصة حب،وكبرت ولغاية يومنا هذا وأنا أتذكر تفاصيل ما جرى كأنه البارحة
لحد اللحظة ما زلت أقطن في هذا الحي،لكن من أحببتها رحلت منذ أكثر من خمس سنوات للعمل في إحدى المدن الكبرى في بلادنا.
أكملت من العمر الواحد وثلاثين سنة،أصبحت كاتبا صحفيا مشهورا،صارت لي زاوية في جريدة تصدر صباح كل يوم اسمها ' تلك الرسالة 'يرتشف قارئها معي كل صباح ذكريات تجربتي بالحب،ويعبر معي لعالمه الخاص، فأضحى كل من يقرا مقالاتي مدمنا لقهوة الصباح،فنانا يرسم الانتظار على نافذته كما يريد،أعتقد أن سري قد انكشف،لكنه لن يفقد أسلوبي سحره .
الآن هذه هي مقالتي الأولى التي أكتبها في أول الربيع،من حقي أن أتمتع بهذه الصدفة،من حقي أن أحيي قصة حبي من جديد،أعزائي أعتبر نفسي اليوم محظوظا جدا،فلقد أهداني الربيع الطقوس ذاتها التي مرت وأنا اكتب تلك الرسالة،لكن لن اعرف كيف أصف فرحتي،ولن أستطيع إيصال هذا الخبر لكم،ولكن لمرة واحدة وفقط في هذه المرة اعلم أن ما سأقوله ستصدقونه فعلا ' وجدت تلك الرسالة ' .
كافئني الله بأجمل طريقة،وردت لي الرياح جزءا مني قد انتزعته قبل بضع سنين،فحين عدت من عملي مساءا، كان الطقس نفسه تماما بأدق التفاصيل،المشردين،وأعمدة الإنارة المرتصفة حولي موجودة،الصورة ذاتها،كانت تنقصني الرسالة وهي،عادت لي الذكريات لما رأيت منزلها الخالي،وقفت استرجع أدق التفاصيل لقصة عشتها لوحدي،توجهت لمنزلها،وقفت أمامه تماما كصبي مراهق،يتلهف،يأمل بان يفتح الباب مجددا،فلم اعرف حبا بعد هذا الحب،فركت أصابع يدي متخيلا تلك الرسالة،نظرت حولي لألوم الريح التي سرقت رسالتي فإذا بي ألمحها - تلك الرسالة - بين الأعشاب الذابلة المتبقية منذ ذلك الوقت .
في الحقيقة أنا لم أجد الرسالة أبدا،لكن هذا ما تمنيته حينها،كي أستطيع أن أعيش قصة حب نقية مثل الماضي،لا تكرهوني أصدقائي،تفهموا موقفي ،ضعوا أنفسكم مكاني،بالتأكيد أن كل واحد منكم يتذكر قصة حب صباه،ويتمنى تكرارها .
الآن تغير الزمان والمكان،لكن سيبقى محتوى ما نشعر فيه راسخا في مكنون ذاتنا تماما كما كان في الرسالة، وبما أن صدى قلمي بات قادرا على الوصول إلى أبعد أرض،سأكتب رسالتي مجددا،وسأبعثها مع الريح،سأقولها في عيونكم،علها تصل من أحبها،ولحينها سأنتظر منها الرد،ولن اختم مقالتي باسمي كالعادة سأعتبر إطار مقالتي ظرفا وسأسجل اسمي : من عاشق،واضحكوا كما تشاءون .
سمير محمود عبد الفتاح الناجي
sameer_naji_5@yahoo.com
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو