الجمعة 2024-12-13 03:49 م
 

ثغاء خراف مرحة

11:05 ص
تشرين هذا الفتى المحمم بليفة المطر البكر، المعطر بلثغة السفرجل الفواح يتدلى على أمه ككرات الذهب. هذا التشرين الموشى بعباءة شمس خفيفة، ترفل فوق أكتاف الوديان الآيلة للخريف. تشرين سيد شهور الأرض، إذ الزيت سيبقى عمر عمارة بيوتنا، ومسامير ركبنا، ونسغ قناديلنا الساهرة بخشوع لحكايا آبائنا الطيبين.اضافة اعلان

تشرين عريسنا المخضب بعبق الطيون، المجلل بنقيق الضفادع، وحنين (القبرات). لتشرين نكهة أخرى، كتلك المخبئة في أثواب جداتنا المتعبات في مواسم الزيتون: فسلام على جداتنا، وسلام على تشرين في السنين. 
قصيراً يصير النهار: النهار ليس إلا خطوتين اثنتين!، على رأي أبي العجول، والمدرسة القبيحة تبلع أكثر من خطوة: فماذا سيبقى من جحش النهار؟!؛ كي نسابق قرص الشمس المخاتل بين فروج الغيم، فالموسم زيتون يا حسرتنا، ونريد أن نلحق أهل في الكروم، نعينهم ونمرح كزرازير الفجر، فنسرع أكثر، ونقذف كتبنا الثقيلة من شقِّ الشباك، ونركضُ كغزلان نخشى ألاّ نلحق ظلنا الممطوط فوق الأرض. يااااااااااه، كيف يلهث بنا هذا النهار الصغير كحمار هزيل. تمهل أيها النهار.
سلامٌ على الزيتون، ما حنَّ تشرينُ لقبلة مطر أخرى، وما غنَّى بلبلٌ على شجر الحور المياس بأصابع الريح، سلام عليك يا أرضنا المزنّرة بالتعب العذب، سلامٌ علينا إذ نجترُّ بقايا أغانينا المحترقة باللهفة والأشواق. سلامٌ على جنون أنفاس تبقينا صغاراً برسم الكهولة، ندرجُ على عتبات الطفولة فلا نكبر أو نشيخ.
سقى الله أحلاماً كانت تدرج بين أيادينا كفراخ الحجل. سقى الله ساعات مفعمة بالبركة، والجدة الحادبة تنفخ في نار إبريق الشاي المسخم، والدخان يمخر ذوائبها؛ فتزداد شيباً على شيب، سقى الله أحلاماً ما تزال تراودنا، إذ نسرق ما طالت شقاوتنا من زيتون، كنا ندفنه بعيداً عن عين الجد، لنبيعه للتاجر الغشاش، الذي يرجِّحُ كفة ميزانه، وينهرنا بشتائم من تحت الحزام، إذا ما هششنا نحلة عن (صدر) الهريسة؛ خوف أن تعلق بعض الحلاوة بأطراف أصابعنا، التي سنمصها بنشوة نشوى. 
سلام على جدي يقطر عرقاً تحت كوفيةٍ نسيتْ لونها. سلام عليه ينفض عناءه بسيجارة (هيشي) تنفث كمدخنة فران عتيق، سلام عليه يأمرنا أن نعجل، فالشمس غابت يا بن شعلان!، وأريد أدور معازيب، فنهزج معه ونحن متعربشون فوق الشجرة، ثم نشدِّ أيادينا، ونضرب غصناً بعيداً بالعصا الطويلة (الرطيبة)، فينفجر صراخاً، كأنَّ العصا أصابت جبهته المجعدة، ويلعن قسوتنا. 
الزيتونة صبية في أول العشرين، فلا تضربوا الصبايا بالعصي يا العرصات؛ فنتحججُ بالعطش، ثم نهرع إلى عين الماء القريبة، نرمي أجسادنا الخائرة، ونغبُّ الماء ونثغو ثغاء كخراف مرحة.
 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة