مع بدايات انتهاء موجات الربيع الرُعبّي الذي لَبَس لبوس الحرية والديمقراطية , او تجلّى في ثلاثة مطالب حملتها الجماهير على محمل الأمل لا محمل الجِد « خبز , حرية , عدالة اجتماعية « , يجب التوقف عند موجبات الفشل او النهايات الحزينة لحلم الربيع العربي وطرح سؤال: لماذا انقلب الربيع رعبا ؟ وهل هناك صدقية لرأي يقول إن العرب معادون بالجينات لفكرة الديمقراطية والدولة المدنية ؟
الإجابة أو محاولة الإجابة تبدأ بقراءة سريعة تقول إن طبائع الانظمة العربية واحدة وتكاد تكون صورة واحدة بنسختين جمهورية وملكية أو « جملكية « إن جاز الاشتقاق اللغوي , بعد أن اثبت النظام الجمهوري أن التوريث فيه سمة أصيلة وجرى اختبارها بنجاح في أعرق دولة في بلاد الشام والأمة العربية « سوريا « وجرى التحضير لها في جمهورية عريقة مثل مصر وبسيطة مثل اليمن ومحاولة استنساخها فيما تيسر من دول الدولة التي لم تحمل جين الجمهورية أو الملكية .
الاختلاف كان في الشعوب العربية وفي طبيعة كل نظام عربي وكذلك في مدى استجابة الشعب لطبيعة نظامه ومدى استعداد النظام لتلبية احتياجات شعبه , فطبيعة الانظمة الملكية انحازت نحو مفهوم الأبوية أو الدولة الراعية فنجحت ممالك الخليج بتجنّب الربيع ورياحه , فيما استجابت المملكتان الأردنية والمغربية لمطالب القطاعات الشعبية الواسعة سياسيا واضاف الاردن أبوية السماحة ونبذ العنف فنجحت تلك الدول في الحفاظ على الدولة دون خدوش دون اخفاء بعض النُدب .
بالمقابل مشت الانظمة الجمهورية بخطوات ملكية فنسيت أصل مشيتها ولم تتعلم المشية الجديدة , واضحت الشعوب هناك مصابة بحالة من الشيزوفرينيا السياسية فلا هي حاكت تجارب الممالك السياسية ولا هي تحصلت على انظمة جمهورية يكون فيها صندوق الاقتراع فضاءً حيويا لإنتاج القادة بل رزخ معظمها تحت حكم الحزب الواحد , فصار الحزب عائلة حاكمة دون تأصيل نظري أو سياسي أو عقد اجتماعي , فنجحت بفرض مشروعية ولم تنجح بتخليق شرعية لأنظمة حكمها وانتجت ظاهرة الدولة القمعية حينا وانتجت ظاهرة الدولة العميقة أحايين وتشاركت مع نظيرتها في تثبيت مفهوم الدولة العقيمة .
العقم السياسي هو السمة السائدة أو الجين الغالب على الدولة العربية وانتقل العقم بدوره الى الشوارع العربية التي استعارت الشعار ذاته في كل الاقطار بل وتطرّفت فاستعارت اسماء الجُمع والميادين دون عناء قراءة الواقع المحلي وظروفه واختلاف طباع الانظمة و الاتفاق على طبائعها , فنجحت الظاهرة مؤقتا وساد الحلم جميع الشوارع قبل أن تصحو المجتمعات العربية على صدمة الاختلافات الرئيسة , وعلى استغلال سياسي هائل لحلمها واستثمار ضخم في أوجاعها دون برنامج واحد قابل للتطبيق من القوى السياسية المعارضة او المتحالفة مع الانظمة سابقا والتي طمحت الى وراثته بعد السقوط او الرحيل او الهروب .
العُقم لم يكن حالة نظامية أو سمة لنظام بل هو سمة سياسية لكل المشتغلين بالعمل العام في اجواء لم تكن يوما تسمح بتوليد أو تخليق انماط سياسية برامجية , في ظل عجز عن ابتكار طرائق سياسية وبرامج توافقية بحكم شمولية الفكر السائد او الطاغي على الأحزاب الشمولية والفردية التي تشكلت في مراحل الانفراج الديمقراطي في كثير من الاقطار العربية , فعُرفت الاحزاب برؤسائها أو أمينها العام ولم نعرف برنامجها او هيئتها القيادية , فوصل الربيع الشعبي ولم تكن الأحزاب في انتظاره , فساد منطق الدهماء وانفلت العقال وسعت كل جماعة حزبية او مناطقية الى طف الثمار منفردة دون انتظار نضوجها أو مشاركة الثمرة العَجراء مع احد , الى الحد الذي اوصل ثورات الى الاقتتال او الى الانقلاب او الى تمنّى بقاء النظام القائم فتحول الربيع الى رعب وتراجعت الجماهير خطوة الى الوراء وغلب الاقصاء على الاصلاح بانتظار جولة جديدة .
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو