جدلية الفساد والأمن

هيثم أبوهديب - المتتبع لشأن العامة والخاصة ممن يتنفس هواء هذه الأرض التي ما كانت يوما إلا موئلا يتشرب أهله عزةً وكرامةً مستمدةً من تاريخٍ يضرب جذوره إلى أعماق جزيرة العرب موئل العروبة والإسلام يعجب من ذلك الجدل الذي جعل كثيرا من المهتمين في الشأن العام بين مدافع عن أحد المجادلَيْن الفساد والأمن . اضافة اعلان


ولا ريب أن في كلا الأمرين الجدليين قدر لا بأس به من كلمات الحق التي يراد بها الباطل ، والواقع أن أمرا ما لا أفهم كنهه يفرض نفسه علينا في محاولة لدفعنا نحو تبني احدى المفردتين.

الفساد لغة نقيض الصلاح ، وهذا المفهوم يُدخِل كثيرا من مجريات حياتنا في إطاره ، فحين يصر أب أو أم على نجدة طفلهما الذي أخطأ في حق معلمه أو زميله نستطيع أن نقول هذا شكل من أشكال الفساد الذي يتربى عليه هذا الباني لمستقبل الوطن ليتحول من فاسد طفل يسرق ماء صديقه إلى فاسد يسرق أحلام الشعب وخبزه .

أما الأمن فهو ضدُّ الخوف ، والخوف غريزة جُبلت عليها الكائنات بغية تحقيق الأمن ، ولو خُيِّر أيُ عاقلٍ أو مجنون بين الخوف والأمن لاختار الأمن ، والجدل القائم بين الفعلين ما هر إلا صنيعة أنصار الشيطان ، فحين ينقسم الناس بين أمرين أحلاهما مر كالفساد والأمن نكون قد وقعنا في شركٍ نُصب لنا بليل .

فما أن يُطالِبَ الناس بمحاربة الفساد والفاسدين ، حتى يُخْرِج لنا أعوان الفاسدين رايات الأمن ، معتقدين بأن هذه الوصفة التخديرية هي من سيسمح لهم بالاستمرار بمسرحيات فسادهم ، وقد نسي هؤلاء كثيرا من معادلات الطبيعة التي ستنتهي بهم إلى الانفجار، الذي لا سمح الله لو حدث لا ندري أي فساد أو أمن سنحتوي .

بل إنه من المعيب أن نضع أبناء الوطن بين خيارات نعلم جيدا من صنعها ، وما غاية صنعها أصلا ، فالأوطان ليست شركة استثمارية تُدار بمفهوم الربح والخسارة الرقمية ، لا بل إن الأوطان تتجاوز مثل هذا الجدل الذي لا يقود إلا جدل أخر دون أن نصل إلى مبتغانا .

آه يا وطني الجريح ...؟!