نشأ جيلنا، وأجيال قبلنا وأخرى بعدنا أيضا، على محاربة الدعاية الصهيونية والدعاية الأميركية، والخوف من الدعاية السوفيتية، والحذر من الدعاية الإيرانية. لكننا لم نتوقف كثيرا عند حجم التضليل والزيف الذي مورس ويمارس بفعل الدعاية العربية؛ تلك الموجهة نحو الداخل، والأخرى الموجهة إلى الخارج. وفيما يبدو أن الدعاية الموجهة نحو الداخل واضحة الملامح والأهداف، باستخدام أدوات الإعلام والقوة الناعمة على مدى عقود طويلة، في خدمة النظم والنخب السياسية، فإن السؤال اليوم هو: هل بالفعل لم ينجح العرب في إيصال دعايتهم للخارج؟ وإذا ما وصلت، فهل كانت بالفعل فاشلة، وبأي ثمن؟
في الوقت الذي فشلت فيه الدعاية العربية في إيجاد موطئ قدم لها في مدن صنع القرار العالمي، مثل نيويورك ولندن وغيرهما، في مواجهة الدعاية الإسرائيلية، فإنها ضخّت على مدى أكثر من عقدين أموالا طائلة في مئات العواصم والمدن والبلدات والقرى في غرب العالم وشرقه؛ في الولايات الأميركية البعيدة، وفي الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفيتي، وفي بلدات أفريقية نائية، وفي مدن وقرى الشرق البعيد من أفغانستان وباكستان والشيشان إلى أندونيسيا وغيرها، بنشر نسخة بعينها من الإسلام السياسي المغلف بطابع من العبادات، وما يرتبط بها من فهم سلفي جامد لا يقبل الحوار حتى داخل الدين.
المفارقة كبيرة بين الفشل العربي الذي يشي بفقر معرفي هائل في مواجهة الدعاية الصراعية الحقيقية وضعف الإرادة لإحداث التأثير، مقابل الغنى والتنوع في تطوير أدوات الدعاية الدينية، والإصرار الكبير على بلوغ أهدافها والوصول بها إلى أنحاء العالم كافة. ويقال، وعلى عهدة الراوي الذي هو سياسي وأكاديمي تونسي، أنه في أحد الاجتماعات الرسمية لمندوبي الدول العربية في الأمم المتحدة مطلع التسعينيات، لمناقشة قوة اللوبي الإسرائيلي في عاصمة السياسة والمال، لم يعرف أي من الحضور اسم رئيس تحرير صحيفة 'نيويورك تايمز' في ذلك الوقت.
في مطلع التسعينيات من القرن الماضي أيضا، وبينما كانت الطائرات الإسرائيلية تحط في مطارات الدول المنفكة حديثا عن قبضة الاتحاد السوفيتي، محملة بالمساعدات والخبراء في مجالات الهندسة الزراعية والإلكترونية والعلوم والورود، كانت الطائرات العربية تحط أيضا في المطارات ذاتها، وربما بكثافة أكثر، لكنها محملة بتفاسير ابن تيمية المترجمة إلى العديد من اللغات، وبالمشايخ والبخور.
المثل العربي يقول: 'من يعرف أن يحضر الجن عليه أن يعرف كيف يصرفه'. ويبدو أن الدعاية العربية استطاعت بالفعل تحضير كل جنون العالم، وها هي تقف مكتوفة الأيدي لا تعرف كيف تتخلص من هذا الداء العضال. وهنا تكمن الإجابة عن عشرات الأسئلة بشأن أسرار جاذبية تنظيم 'داعش'، واختطاف الإسلام، وتشويه فكر الجهاد، والقوة الحقيقية التي تدفع مئات الشباب إلى اللهاث خلف هذه التنظيمات الدموية والظلامية.
لا توجد لدينا دراسات أو رصد حقيقي لاقتصادات الدعاية الدينية العربية، وتحديدا الموجهة للخارج. لكن علينا أن نتنبه إلى أن هذه الدعاية ليست ممولة فقط من النظم الرسمية، بل أيضاً ساهمت فيها المجتمعات العربية في الدول الثرية، والطبقات المتحالفة مع تلك النظم.
لا شك في أن الدعاية المتراكمة، وعلى مدد طويلة، تمارس وظيفة الغرس الثقافي لدى الأجيال الجديدة، وبالتالي تشكل مصدر تهديد خطير، وأحيانا تنعكس على أصحابها، كما حدث مع الدعاية الدينية العربية التي أغرقت العالم بالجنون، ونحصد ثمارها هذه الأيام. تصوروا ما الذي أقنع شابا أفريقيا ينتمي لـ'بوكو حرام' بأن تلغيم فتاة عمرها عشر سنوات وتفجيرها وسط سوق مزدحم، هو عمل من أجل الله، ومن أجل العدالة والخير.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو