الجمعة 2024-12-13 03:08 م
 

حتى لا تصبح إدلب .. »قبرص ثانِية»

07:18 ص

لم يَصدُر بيان الخارجية السورية الداعي للقوات التركية بالخروج من الاراضي السورية فوراً... من فراغ، بل ثمة مخاوف سورية حقيقية وجادة من ان يتحول الانتشار العسكري التركي في محافظة ادلب الى احتلال دائم, تحت ذرائع وحجج متهافتة يبرع الاتراك في اختراعها, وسنوات الازمة السورية السبع التي توشك على الانتهاء، تؤكد كيف لم تتوقف انقرة عن التآمر وانتهاز كل الفرص الممكنة من اجل تحقيق هدفها بالسيطرة على سوريا عبر الجماعات الارهابية وخصوصا الاسلاموية منها, كي تتخذ منها منصة للإنقضاض على الشرق العربي وكتابة جدول اعمال دولِه والشعوب, ودائما في استعادة «الإرث» المزعوم لأجداد اردوغان من العثمانيين والسلاجقة في بلاد العرب.اضافة اعلان


وإذ لم يصدر بعد اي رد فعل من موسكو وطهران, وهما المعنيتان بتفاهمات استانا حول مناطق خفض التوتر وبخاصة في محافظة ادلب, حيث قيل ان مهمة الإنتشار البرّي داخل ادلب ستُوكل الى انقرة, فيما تتولى القوات الجوفضائية الروسية المهمة من الجو، فإن مسار الانتشار التركي قد اثار المزيد من الشكوك المحقة لدى دمشق, سواء في دخول قوات الاستطلاع التركية ادلب بمرافقة وحماية هيئة تحرير الشام/النصرة، ما ينفي المزاعم التركية, بان جيشها انما دخل لطرد هذه الجماعة الارهابية التي سيطرت بالنار على المحافظة وانهت وجود ما كان يُسمى بالجماعات المعتدِلة, ام في الاجراءات التي اتخذها الجيش التركي بتسليم بعض المقار الى ما يُسمى «الحكومة السورية المؤقتة» التي انبثقت عن ائتلاف المعارضات الذي رعت انقرة عملية استيلاده, وما يزال يجد لنفسه ملاذا فوق الاراضي التركية، رغم ان نفوذ انقرة تراجع كثيرا لدى هذا الائتلاف, بعد ان تحوّل الى «منصة الرياض»، وباتت العاصمة السعودية هي المقر الاساس لهذا الائتلاف الهش ومُنطلَقا لنشاطاته الآخذة هي الاخرى في التراجع، بعد ان تجاوزته الاحداث وكرّست ميادين القتال حقائق جديدة يصعب على انقرة (وغيرها) تجاهلها او القفز عليها.

من هنا... يمكن القول ان مخاوف دمشق في هذا الشأن لها ما يبررها في ضوء ما تتخذه القوات التركية من اجراءات ميدانية داخل المناطق التي تسيطر عليها وراحت تمارس فيها عملية تتريك ممنهجة، تبدأ بوضع صور اردوغان في المرافق والمؤسسات السورية الرسمية من مدارس ومحاكم وهيئات, وهو ما تجلى في مدن وبلدات الشمال السوري التي خضعت للاحتلال التركي من خلال الاجتياح السابق الذي سُميّ «درع الفرات», ولا تنتهي بإضفاء الحكم التركي المباشر على تلك المناطق المحتلة والتي بدأ السوريون انفسهم يبدون تذمرا ازاءه ويرفعون اصواتهم رفضا له.. وها هي الامور في ادلب تأخذ الابعاد والاهداف نفسها, دون ان تبذل انقرة اي محاولة لاخفاء نواياها فضلا عن هدفها الرئيس المتمثل في فرض هيمنتها على مدينة عفرين ومحيطها بذريعة قطع الطريق على توصل «الجيب» الكردي للوصول الى البحر المتوسط، دون ان نتجاوز اهداف وابعاد الانتشار التركي وبخاصة صوب ارياف «حلب الغربية» التي تُشكِّل نقطة تماس خطيرة مع الجيش السوري, الذي حرّر شرق المدينة واعاد توحيد عاصمة الشمال السوري.

تتخوّف دمشق من تحوّل ادلب الى مسمار جحا تركي جديد او نسخة اخرى وإن مُقلَّصة من قبرص التي غزاها الجيش التركي قبل اربعة عقود ونيف (تموز 1974) بأوامر من بولنت اجاويد واقام فيها حكومة كرتونية، لم تعترف بها اي دولة في العالم سوى انقرة نفسها, وما تزال «الجمهورية» التي اعلنتها انقرة في شمال الجزيرة عام 1983 وتحتل 35% من مساحة الجزيرة المنكوبة بالتقسيم حتى الان,... تقوم بالدور المناط بها وهو رفض اعادة توحيد الجزيرة.

سيناريو كهذا مرشح للتكرار في شمال سوريا وخصوصا محافظة ادلب الحدودية, حيث تستعين انقرة بعملائها من حكومة الدمى المؤقتة التي يرأسها الان جواد ابو حطب, ومرتزقتها مما لا تزال تُطلِق عليهم وصف الجيش السوري الحر، وهو في واقع الحال لا يشكل جيشا وليس حراً, سوى ان منتسبيه القلائل من السوريين قد وضعوا انفسهم في خدمة الاجنبي الساعي الى تقسيم بلادهم وامتهان شعبهم والسيطرة على قرارهم الوطني, تماما كما هؤلاء الذين وظّفهم الاميركيون تحت اسم «قوات سوريا الديمقراطية» وقيل في محاولة تلميعهم ونفي حقيقة انهم «كُرْد» يسعون لفدرلة سوريا وتقسيمها, انها مكونة من عرب وكرد, وزادوا ان «العرب» هم الذين سيحكمون الرقة عند تحريرها, وها هي قد اوشكت على الخلاص (وتم تدميرها بشكل كامل كما تقول كل المصادر)، لكن الكرد هم اصحاب القرار, وهم الذين يفرضون هيمنتهم على المدينة.

الكباش السوري التركي مرشح لمزيد من التصعيد واعتبار دمشق الانتشار التركي في ادلب مثابة احتلال والمطالبة برحيله, يزيد من احتمالات المواجهة العسكرية, وقد باتت خطوط التماس ساخنة على اكثر من جبهة, وهو امر يفرض على موسكو وطهران ان تُحدّدا موقفيهما على نحو واضح, بعد ان تجاوز الاتراك التفاهمات وكادت تتحول منطقة خفض التوتر في ادلب الى «جيب تركي» تسعى انقرة الى استخدامه لاستدراك ما فشلت في تحقيقه طوال سبع سنوات, وخصوصا احياء الجماعات الارهابية التي اوشكت على الهزيمة والاندحار. وإلاّ كيف نفسر ان مواجهة واحدة لم تحدث بين هيئة تحرير الشام/النصرة, التي هي جزء من القاعدة... والقوات التركية الغازية؟

ولماذا يقول اردوغان: أن ليس من حق أحد التشكيك بإجراءاته المشبوهة في ادلب؟لولا انه يستشعر رفضا متصاعِدا لمحاولاته إحياء حلمه إقامة «إمارة اسلاموية» في شمال سوريا؟.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة