الأربعاء 2024-12-11 06:46 م
 

حكاية أمل

08:39 ص

ربى الرياحي - الغد -  مع شروق كل يوم جديد، يتجدد حبنا للحياة ورغبتنا في تحقيق أحلامنا. ورغم أن الحياة مليئة بالمتضادات؛ فرح وحزن، حنان وقسوة، إلا أننا نحب أن نحياها بكل ما فيها.اضافة اعلان

وللطفولة أثر كبير في حياتنا لما فيها من براءة وتفاؤل وشقاوة. لكن لا أحد يعلم ما تخبئ له الأيام بين ثناياها من أفراح وآلام وأحزان.
عشت طفولة تختلف عن باقي أقراني؛ طفولة مليئة بالتحديات والمصاعب، ومن أهم الأشياء التي أتذكرها من طفولتي أنني كنت طفلة شديدة العناد وكثيرة الحركة، تماما كأغلبية الأطفال، وعندما أتممت السنة السادسة من عمري، تعرضت لضربة في عيني اليمنى فأدى ذلك إلى انعدام الرؤية فيها.
كانت الصدمة شديدة على عائلتي، لكن الجميع، بمن فيهم أنا، رضينا بمشيئة الله وحكمته، فهي فوق كل شيء، وما علينا سوى الرضا والصبر على الابتلاء.
لكن الأمور لم تقف عند هذا الحد، فبعد مرور سنة تقريبا على الحادثة تكررت المأساة، ولكن هذه المرة جاءت الضربة لعيني اليسرى، لأفقد الرؤية فيها هي أيضا، وكانت الصدمة هذه المرة أشد، إلا أننا لم نفقد إيماننا بالله تعالى، خصوصا أن الله سبحانه وتعالى عندما يمتحن الإنسان ينزل عليه قدرا كبيرا من الصبر ليستطيع الاستمرار في الحياة ومواجهة تحدياتها بقوة وإرادة.
وبسبب حالتي تلك، لم أتمكن من دخول المدرسة التي تم تسجيلي فيها، فبدأ والدي يبحث لي عن مدرسة تهتم بوضعي بشكل خاص، وكانت عناية الله ورعايته لي كبيرة إذ هيأ لي طريقا للعلم، فدخلت مدرسة تعنى بالفتيات الكفيفات، وانضممت إلى زميلاتي في السكن الداخلي.
حينها، بدأت مرحلة جديدة من حياتي كانت مليئة بالتحدي والتصميم والاجتهاد، فتعلمت القراءة والكتابة بفترة وجيزة، وتفوقت في الدراسة بفضل الله سبحانه وتعالى، وبفضل معلماتي وأهلي.
بقيت على هذه الحال حتى وصلت إلى المرحلة الثانوية، فتجدد التحدي مرة أخرى لأنني كنت أريد أن أرد الجميل لأهلي وأثبت لهم وللعالم بأكمله أن بمقدوري التفوق وليس النجاح فقط.
في الثانوية العامة حصلت على معدل تسعين، وكان أعلى معدل في المدرسة، غير أن طموحي لم يكن يرضى أن يقف عند هذا الحد، فحرماني من البصر لن يمنعني من إكمال مسيرتي بإصرار وعزيمة.
دخلت الجامعة، وكان معدلي حافزا لي لكي أجتهد وأتفوق رغم المصاعب والمشكلات التي ستواجهني، فالوضع قد اختلف تماما عما كان عليه في المدرسة، والمجتمع الذي أختلط به الآن، أصبح أكبر، لكن الأمل الذي نحمله في قلوبنا أنا وصديقاتي من الكفيفات سيظل يدفعنا إلى التقدم وحذف كلمة 'مستحيل' من قاموسنا وتحويل الصعب إلى سهل.
الصعوبات التي كانت تواجهنا كثيرة؛ كصعوبة التنقل من محاضرة إلى أخرى بسبب بعد المسافة، وعدم توفر الكاتبات لمساعدتنا في كتابة الامتحان، وقراءة ما يطلب منّا من مواد، وانعدام الوعي بين الطلبة لدرجة السخرية والاستهانة بقدراتنا.
رغم كل هذه التحديات إلا أننا لم نستسلم، فهذه العوائق نستطيع الالتفاف عليها وتجاوزها، وكانت ثمرة هذا التحدي حصولي على معدل جيد جدا، فتخرجت في الجامعة مع شعور كبير بالزهو والفخر، وشعرت بلذة النجاح، ونسيت كل المعاناة التي مرت بي على مدى السنوات الأربع.
تعلمت أنه لا يمكننا أن نحصل على الأشياء بسهولة، وإنما بالصبر والمثابرة، كما تعلمت أن الحياة واليأس لا يجتمعان.
ما أجمل أن تكون جهودك مميزة وطموحاتك عالية ورسالتك سامية!, ما أجمل أن يشار لك بالبنان، ويحفر اسمك في ذاكرة كل فرد يمر في حياتك..!
ما أجمل أن يكون وجودك مؤثراً وتعيش من أجل هدف كبير، فتظل كبيرا. تكسب ثقة من حولك ومن ثم تقدم وتعمل بحب وإخلاص وثقة. تشكر الله دوماً على ما كرمك به من توفيق ونعمة خصك بها عن غيرك وتتوكل وتحسن الظن به دوماً!.
ربى الرياحي
فتاة كفيفة أنهت البكالوريوس تخصص لغة عربية بتقدير جيد جدا من الجامعة الأردنية، وكانت قد حصلت على معدل 90 % بالتوجيهي.
انضمت لفريق الصحفيين في 'الغد' في مطلع نيسان (أبريل) وخصص لها زاوية أسبوعية في ملحق 'حياتنا'، تنشر كل يوم اثنين، تطل عبرها على قرائها.
هي تعرف اليوم كيف توجه قوتها الداخلية لتكون وسيلة للإطلال على عالم الكفيفين الذين يعانون صعوبات كثيرة، وتسعى من خلال كتاباتها إلى أن تصنع فرقا في حياتهم، إضافة إلى الكتابة عن النقاط التي تراها مضيئة، والأشخاص الذين أثروا بها.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة