السبت 2024-12-14 08:38 م
 

حمار بيريدان L’ëne de Buridan منصف الوهايبي

10:13 ص

الوكيل - ‘حكومتي ستبقى 9 أشهرعلى أقصى تقدير’اضافة اعلان

الثلاثاء 12 مارس 2013
ـ علي العريّض:’حكومتي لن تستقيل بناء على مبادرة الحوار الوطني، إلاّ بعد أن يتمّ التوافق على نتائج الحوار الوطني والانتهاء رسميّا من وضع الدستور الجديد وتشكيل الهيئة المستقلة للانتخابات والقانون الانتخابي وتحديد موعد الانتخابات العامة المقبلة.’
السبت 12 أكتوبر 2013

1ـ1 حكومة المجزوم بـ ‘لم’ /حكومة المنصوب بـ ‘لن’

زعم السيّد علي العريّض أنّ حكومته ‘لم تفشلْ’. وهذا توصيف يُضمر ما يُضمر، إذ المتعارَف أن يُجيبَ المرءُ كلّما سُئل عن نتيجة امتحان:’فشلتُ’ أو’نجحتُ’. ودأبنا نحن الأساتذة على أن نوزّع الطلبة، عند إعلان النتائج؛ على ‘ناجحين’ و’مؤجّلين’ و’راسبين’. أمّا أن يقول سي علي ‘ لم أفشلْ ‘، فهذا ليس له من معنى أو مقابل سوى ‘لم أنجحْ ‘.
و’ لَمْ ‘: حرفُ جزمٍ ونفيٍ وقلبٍ، يجزمُ المضارعَ وينفي حدوثه في الماضي. وبما أنّ حكومة سي علي لا تزال قائمة، فقد كان الأنسب أن يقول ‘ حكومتي لمّا تفشلْ.’
و’ لمّا ‘: حرفٌ جازمٌ يجزمُ الفعل المضارعَ وينفي حدوثَه في الماضي، ويمتدّ نفيِه إلى زمنِ التكلّمِ، وتوقّعِ حدوثِه في المستقبل. ولكن ‘ لمّا’ حرف تلاشى من
استعمالات العرب المعاصرين، كما تلاشت حروف وكلمات كثيرة؛ تثوي الآن في مقبرة لسان العرب أشبه بشواهد القبور. وقد عوّض’ لمّا ‘ التركيبُ: ‘ لمْ … بعدُ’؛ كأنْ تقولَ: ‘ لم أفشلْ بعدُ ‘ أي ‘ لم أنجحْ بعدُ ‘.
وسي علي لا يُضفي على نفسه بُرْد الأستاذيّة، ويجلس مجلس القضاة المُحكّمين، فحسب؛ وإنّما هو يرجم بالغيب. يقول: ‘لا أعتبر أنّ حكومتي فشلتْ، ولا حكومة حمادي الجبالي قبلي ولا حكومة الباجي قائد السبسي من قبلها، ولا الحكومة التي ستأتي من بعدي ستفشل، فهي حتما لا تملك عصًا سحرية.’
وحاصل قوله: حكومتي لم تفشلْ. كما لم تفشلْ حكومة الجبالي، ولم تفشلْ؛ من قبلها حكومة الباجي. والحكومة القادمة لن تفشلَ. و’لا’ و’لن’ هما كما يقول الزمخشري: أختانِ في نفي المستقبل، إلاّ أنَّ في ‘لن’ توكيداً وتشديداً وتأبيدا. ولكنّ سي علي يتناسى أنّ سي حمّادي أقرّ بفشل حكومته، بعد اغتيال الشهيد شكري بلعيد، وأنّ حكومة الأستاذ الباجي نجحتْ في نقل التونسيّين إلى انتخابات ‘نزيهة’.
وكان على حكومة سي علي أن تستقيل مباشرة، بعد الكشف عن ‘الوثيقة ـ الفضيحة’ التي حذّرت الداخليّة التونسيّة من الخطر المُحْدِقِ بالشهيد محمّد البراهمي.بل لماذا لم يصارح سي علي التونسيّين بهذه الوثيقة، وهو الذي ‘علم بها بعد مدّة لا بأس بها’ كما قال؛ إذ لو فعل لكان برّأ ذمّته وذمّة حكومته أخلاقيّا وسياسيّا. أمّا أن يعدّ الأمر مجرّد خطإ أمنيّ، وتقصيرا في التعامل مع المعلومة؛ فكلام مردود عليه؛ لأنّ القضاء وحده هو الذي يقرّر ذلك من عدمه.

***
أمّا ‘حمار بيريدان’ فهو يُنسب إلى الفيلسوف ‘جون بروديان’(1298 ـ 1366)، برغم أنّ هذا الفيلسوف ‘ الشكوكي’ أو ‘ الارتيابي’؛ لم يتمثّل بحكاية هذا ‘الحمار’ في مصنّفاته، ولم يتخذه دليلا على أنّ المرءَ؛ لا يستطيع في بعض الحالات أن يختار، أو هو يَحَار ويتردّد؛ ولا يبرح مكانه. وإنّما نُسبتْ الحكاية إليه، لأنها تناسب نظريّته
Th’orie de l’impetusأو فرضيّته في’ الشكوكيّة’ أو ‘الارتيابيّة’، وما يتعلّق ب’القدريّة’ و’حريّة الاختيار’.وهو الذي أعاد اكتشاف ‘نطريّة الاندفاع ‘
استئناسا بما أنجزه اللاتين والعرب.ومحصّلها بعبارته’ أنّ الله طبع، بعد خلق العالم، في كل جسم سماويّ؛ حركة منتظمة، فظل محتفظا بها.’ وما إلى ذلك ممّا يحتاج إلى بسطة في القول وإفاضة، ليس هذا مجالها، ولا أنا بالمؤهّل للخوض فيها.
ما يعنينا ـ حتى لا يحجزنا الاستطراد ـ إنّما هو أمر هذا الحمار. ونحن نسوق حكايته، باحترام كبير لهذا الحيوان الكريم ‘ سيّارة النقل الريفي’ و’حصان الفقراء’ الذي كان رفيقنا في طفولتنا البعيدة.
يعود ‘حمار بيريدان’ كما تقول الحكاية، بعد رحلة شاقّة؛ وهو يتضوّر جوعا، ويكاد ينفقُ عطشا. ويضعه صاحبه وسَطًا بين مِعلَف مملوءٍ حَبًّا، وسطلٍ مملوءٍ ماءً. وينصب الحمارُ أذنيْه، ويتساءلُ أيُبادرُ بالأكل؛ ثمّ يثنّي بالشرب أم يبادرُ بالشرب؛ ثمّ يثنّي بالأكل. أي أكْـلٌ فشرْبٌ أو شُرْبٌ فأكلٌ. ويَحاَرُ الحمارُ، وهو يرجَحُ ويزِنُ الحسناتِ والسيّئاتِ، ويتأمّل هذا وذاك، ليحسنَ صنيعه وتقديره. ويديرُ رأسه يمنةً ويسرةً؛ وقد تضايقَ به الأمرُ، من وقفته وسطًا.. فلو كان أقرب إلى السطل.. لربّما هرع إلى الماء.. ولو كان أقرب إلى المِعلَف.. لربّما هرع إلى الحَبّ.. والوقت يجري، وهو لا يتدبّرُ أمره، ولا يدري أيرتضي الماء أوّلا، والعلف ثانيا أم العلف أوّلا، والماء ثانيا. ولكنّه يداري قلقه، فيرفعُ رأسه، ويحرّك أذنيْه بين فينة وأخرى؛ وعيناهُ إلى سطل الماء حينا، فمِعلف الحَبّ حينا؛ فالمِعلَف.. فالسطل.. ينهق ضعيفًا وكأنّه يشهق.. وهو ينفق الآن جوعا وعطشا.. ولا هو يبتّ في الأمر ولا هو يختار.. وتخور قواه، وتتراخى قوائمه.. وتزيغُ عيناه.. ويتهاوى ليموت جوعا..أو ربّما عطشا.. أو جوعا وعطشا في آنٍ..
***
ربّما آن لحركة النهضة، أن تحزم أمرها، وأن تختار بين’عَـلَفِ الحكومة’ الذي يُطعمها من الجوع إلى سلطة زائلة.. و’ماء الحوار الوطني’ الذي يؤمّنها من الخوف من فقدان هذه السلطة’مؤقّتا’، ويعيدها إلى رشدها، أو يعيد رشدها إليها.. وأمّا تصريح السيّد علي العريّض بأنّ حكومته لن تستقيل بناء عاى مبادرة الحوار الوطني إلاّ بشروط هي من ‘وضعه’، فقد لا يكون دليلا على وجود ‘نهضتين’ نهضة الغنّوشي ونهضة العريّض؛ كما يرجّح صديقنا الهاشمي الطرودي.. فالرجلان ‘متفاهمان’: سي علي ‘ينهض’ بدور معاوية، وسي راشد ‘ينهض’ بدور عمرو بن العاص.. بيْد أنّ دهاء بن العاص أصبح ‘لعب صبيان’. بل لعلّ تصريح سي علي وبيان شورى النهضة، ليس أكثر من ‘استفزاز′ للمعارضة أو لأطياف منها(الجبهة الشعبيّة خاصّة)، حتى تبادر بالانسحاب من مائدة الحوار.. فتتحمّل مسؤوليّة فشله.. بما يُطيل عمر هذه الحكومة..
على أنّي أذكّر بأنّ ‘حمار الحكاية’ ليس هو ‘حمار بيريدان’، وإنّما نسَبَه البعض إليه، لجعله سُخرة وضُحكة ـ على ما يبدو ـ وهو الفيلسوف الذي كان يرى أنّ الانسان
يمكن في حالات مخصوصة، أن يؤجّل خياره؛ حتى يقوّم النتائج أو يقيّمها.. ولقد طوى النسيان الساخرين، فيما بقي اسم ‘بيردان’ في التاريخ.. بفضل فلسفته لاشكّ..
!ولكن بفضل هذا ‘الحمار’ الذي لم يكن بمقدوره أن يختار.. لأنّه حمار لا أكثر ولا أقلّ!.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة