حنين معكوس !!

اعتاد الناس على فهم النوستالجيا على انها الحنين المفرط الى الماضي ومن يصاب بها لا تنقطع حياته عن الحاضر فقط بل عن المستقبل ايضا، وسبب ذلك ان من تغلبت الذاكرة لديهم على الخيال والحلم يعتقدون ان الماضي دائما هو العصر الذهبي، وهذا بالفعل ما قاله هزيود عندما قسّم الازمنة وصنّفها تبعا للمعادن فمنها النفيس ومنها الرخيص .اضافة اعلان


لكن هناك بالمقابل نوستالجيا مضادة ومعكوسة هي الحنين الى القادم واستعجال المستقبل لأنه المجال الحيوي لتحقيق الامال بل هو ايضا المجال الذي يكون فيه المستقبل بمثابة اعتذار عن نقصان الماضي، وهؤلاء قلّة، منهم شعراء من طراز ناظم حكمت الذي كتب قصيدة يقول فيها ان اجمل الاطفال لم يولد بعد وافضل الاغاني ما لم نعرفه من قبل، ونحن العرب من اكثر الاقوام حنينا الى الماضي، ولدينا شغف مزمن للبكاء على الاطلال، ما دفع مستشرقا فرنسيا الى القول ان اللحظة الطللية تسربت بمرور الزمن من المكان الى الزمان، واصبح المصابون بالحنين الى العصر الذهبي الذي يتخيلونه يبتكرون الاطلال عندما لا يجدونها في الواقع !

المستقبل قد يكون غامضا الى حدّ ما رغم ان الدراسات المستقبلية تحاول استشرافه عن بعد، وفي عالمنا العربي الذي يوصف بأنه شاب من الناحية الديموغرافية واعمار الناس بدأ الحنين الى الماضي يتناقص وينحسر لصالح الحنين الى المستقبل يتناقص وينحسر لصالح الحنين المضاد وهو حنين الى ما لم يتحقق بعد، لكنه قابل لأن يتحقق .

وفي الحالتين، عندما يكون الحنين الى الماضي نوستالجيا وبكاء على الاطلال او الى المستقبل باعتباره اعتذارا عن كل ما يتحقق من الاحلام فان الدلالة واحدة وهي الضيق من الحاضر ومحاولة الفرار منه الى الوراء او الى الامام، فهل نصدق ما قاله ناظم حكمت وننتظر بما تبقى لنا من اعمار ما هو اجمل وأبهى ؟ واحدة وهي الضيق من الحاضر ومحاولة الفرار منه الى الوراء او الى الامام، فهل نصدق ما قاله ناظم حكمت وننتظر بما تبقى لنا من اعمار ما هو اجمل وأبهى ؟ ام نصدّق الفيلسوف هزيود الذي قسّم العصور كالمعادن الى ما هو نفيس ورخيص، ورأى ان العصر الذهبي قد ولّى، وما مضى لن يعود ؟؟