الوكيل - الاصطدام بالواقع عنوان بارز لمآل حركات الإسلام السياسي بعد ثورات الربيع العربي. وكمخرج، يقترح مفكرون 'التجديد في الدين الإسلامي' لاستبدال تلك الحركات ونزع المشروعية الدينية والقدسية عنها.
محاولات فكرية وأكاديمية عديدة خاضها مفكرون وباحثون في خضم مواجهة فكر الحركات الإسلامية، لاسيما ما يتعلق بفك الاشتباك بين الدين والدولة، إلا أن جلّ تلك الاجتهادات اصطدمت بصعوبات. وفي مراكش، وخلال مؤتمر فكري دام يومين، طرح مفكرون وباحثون شبان فكرة الانتقال إلى حقل التجديد الديني بدل الاعتماد على أرضية علمانية مستوحاة من النموذج الغربي، وذلك كبديل لمواجهة فكر الحركات الإسلامية المتطرفة في'عقر دارها'.
بالنسبة للخبراء، فإن الفكرة ليست جديدة تماماً، لكن النتائج التي ظهرت بعد الربيع العربي غيرت منهجية التفكير لدى كثيرين. فقد أظهر اكتساح الأحزاب الإسلامية في الانتخابات التي شهدتها بلدان الربيع العربي مدى تجاوب القطاعات الشعبية مع الخطاب 'الإسلامي' لتلك الأحزاب، مقابل انحسار الخطاب السياسي للقوى اليسارية والليبرالية التي تقصي الدين تماماً من منطلقاتها وحساباتها. ولم تمض فترة طويلة حتى أظهرت تجارب الأحزاب الإسلامية في الحكم إخفاقات مدوية. من هنا يمكن أن تبدأ رؤية جديدة للأمور، كما يقول الدكتور رضوان السيد، المفكر اللبناني وأستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة بيروت.
وفي مستهل حواره مع DW عربية، يحرص الدكتور السيد على ما يصفه بـ 'وضع النقاط على الحروف'، ويقول: 'لقد فشلت الدعوات الراديكالية بتوجهاتها التحديثية والأصولية الإسلامية'، موضحاً: 'لقد فشل التحديثيون الذين يريدون إقصاء الدين الإسلامي في مجتمعاتنا. لكن بالمقابل، فإن فشل حركات الإسلام السياسي كان مدوياً، سواء تعلق الأمر بتجربة الإخوان المسلمين أو التيارات السلفية أو دعاة ولاية الفقيه (الشيعة)'.
وللخروج مما يعتبره 'خطر الراديكاليين التحديثيين والإسلاميين'، يدعو المفكر اللبناني إلى 'فتح باب التجديد في الدين' بهدف محاصرة منهج الفكر التقليدي للحركات الإسلامية، دون إحداث قطيعة مع التراث نفسه. هذه الفكرة يستند إليها الباحث الأردني الشاب يونس قنديل، المتخصص في الدراسات الإسلامية بجامعة برلين الحرة، مبرزاً أن 'الجيل الجديد، وتحت وطأة نكبة الواقع، يهتم أكثر بالواقع ولا يريد الانشغال بالحروب الفكرية حول التراث التي غرقت في أتونها الأجيال السابقة'.
'خطر الراديكالية الإسلامية والتحديثية'
في مراكش، ارتأت مؤسسة 'مؤمنون بلا حدود' أن تستهل أعمال مؤتمرها السنوي الثاني حول موضوع 'الخطاب الديني: إشكالياته وتحديات التجديد' بتكريم الدكتور حسن حنفي، المفكر المصري الذي يعتبر من رواد فكر التجديد في الدين الإسلامي من منظور معاصر، مستلهماً فكرة حركة الإصلاح الديني التي أطلقها مارتن لوثر في ألمانيا في بدايات القرن السادس عشر. وكان حنفي قد تعرض بداية الثمانينيات من القرن الماضي إلى حملات تكفير من قبل جماعات أصولية. كما تعرضت مؤلفاته الفكرية في عهد حكم جماعة الإخوان المسلمين سنة 2012 إلى محاولات مصادرة، إضافة إلى اتهامه بالتكفير من قبل مجمع بحوث تابع للأزهر، قبل أن يتم التراجع عنها بحكم قضائي.
ويقول الدكتور رضوان السيد أن المؤسسات الدينية التقليدية على غرار الأزهر في مصر والزيتونة في تونس والقرويين في المغرب والمؤسسة الدينية في السعودية 'لا ينبغي إلغاء دورها، بل يتعين إعادة تأهيلها وتحريرها من نفوذ الإسلاميين وأجهزة الحكم الدكتاتورية'، موضحاً أن وظيفة هذه المؤسسات تتمثل في 'رعاية وحدة العبادة والتعليم الديني والفتوى ونبذ الطائفية'. كما يدعو المفكر اللبناني إلى استبعاد فكرة 'الدولة الدينية'، سواءً أخذت شكل المشروع الأصولي للإخوان المسلمين أو السلفيين والجهاديين، أو دولة الحرس الجمهوري الإيراني، وإرساء 'دولة المواطنة' التي يتساوى أمامها المواطنون على اختلاف أديانهم ومذاهبهم.
نقد لأصول فكر'الإسلام السياسي'
الباحث يونس قنديل، الذي يتولى رئاسة مجلس أمناء مؤسسة 'مؤمنون بلا حدود'، وهي مؤسسة خبرة فكرية حديثة النشأة تتخذ من الرباط مقراً لها وتضم ثلة من المفكرين والباحثين الشبان المهتمين بالتجديد في الدين الإسلامي والاعتماد على المناهج العلمية الحديثة في مقارعة الحجح والمرجعيات التقليدية التي تستند إليها الحركات الإسلامية، يتفق على الأقل على مستوى المنطلقات، كما يقول، مع فكرة رضوان السيد القائلة بـ'نقد تحويل المفاهيم المرجعية التي يستند إليها مشروع حركات الإسلام السياسي'.
لكن الباحث الأردني لا يبدي أي مهادنة مع الفكر والمؤسسات التقليدية والتراث، ويتجه بالتشكيك والنقد لواحدة من أهم المفاهيم التي يستند إليها ما يُطلق عليه 'الفكر الوسطي' للحركات الإسلامية، أي مفهوم 'المقاصد الشرعية' الذي أسسه الفقيه الشاطبي في القرن السادس الهجري. هذا وقام مفكرون إسلاميون معاصرون بإحياء الفكرة ليؤسسوا عليها نظريتهم الشمولية التي تجعل 'رؤية الفقيه (رجل الدين) تتحكم في الفقه والسياسة والحياة'، عبر المقاصد أو الكليات الخمس، المتمثلة في 'حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال'.
ويعتقد الباحث قنديل أن 'خطورة فكرة المقاصد تكمن في كونها تحاول فرض نفسها كمرجعية وحيدة لا خروج عنها'. ويضيف أن المعضلة في الوقت الراهن هي أن جماعات الإسلام السياسي 'تستدعي العقل المقاصدي بميكانيزماته التقليدية' في ظرفية سياسية واجتماعية مغايرة من أجل تثبيت فكرة 'الحاكمية لله' عبر الفقيه، الذي يصبح هو المشرِع والحاكم. ويستنتج قنديل بأن 'المقاصد' ليست 'قيماً خالدة'، كما يحاول الإسلاميون تقديمها، بل هي موضوعات وتموقعات مرتبطة بسياق سياسي واجتماعي وأيديولوجي، والمطلوب استحداث مفاهيم جديدة تستند إلى رؤية جديدة للمقدس الديني وتستجيب لأسئلة الواقع.
لكن المفكر المغربي الدكتور سعيد بنسعيد العلوي، أستاذ الفلسفة بجامعة محمد الخامس في الرباط، يلاحظ أن قنديل 'يحاول أن ينزع مفهوم المقاصد الشرعية عن الإسلام السياسي'، إلا أنه 'في حقيقة الأمر، فإن فكرة المقاصد أعمق من مشروع الإسلاميين، كونهم جماعات تريد الوصول إلى الحكم بالقوة والعنف'، وهو المنطلق الذي يتعين التركيز عليه بالنقد لمواجهة فكر الإسلاميين.
من جهتها، تقترح الباحثة المصرية الدكتورة هالة فؤاد إعادة النظر في التراث وتجاوز النظرة 'الحذرة والتقديسية'، مشيرة إلى أن 'الكيفية المثلى لحماية التراث هي تعريضه للهدم من أجل بنائه من جديد'.
الصوفية هل يمكن ان تكون بديلا للاسلام السياسي؟
وفي حوار مع DW عربية، لا تخفي الدكتورة فؤاد حذرها إزاء فكرة دعم قوى دينية تقليدية، مثل الطرق الصوفية، كسبيل لمواجهة الإسلام السياسي، وهي تحبذ البدء 'بدراسة شاملة للطرق الصوفية في العالم العربي والإسلامي وتحديد سلبياتها'. وتشير في هذا السياق إلى 'التراتبية والهرمية التي تقوم عليها الطرق الصوفية'، فهي تعتمد - مثل جماعات الإسلام السياسي - على قاعدة 'السمع والطاعة' من خلال 'سلطة الروح عبر الشيخ على مريديه، وهي سلطة أخطر'.
وتوضح الباحثة المصرية أن الصوفية كانت عبر التاريخ الإسلامي'متورطة في اللعبة السياسية'. وفي الواقع السياسي الراهن بمصر، هنالك ما يزيد عن عشرة ملايين من أتباع الصوفية 'يتم المتاجرة بأصواتهم في الانتخابات'، مشيرة في هذا الصدد إلى تضارب تصريحات مرجعيات الصوفية، مثل الشيخ عبد الهادي القصبي، رئيس المجلس الأعلى الصوفي، و'جبهة الإصلاح الصوفي'، وهي فصيل معارض للشيخ القصبي، و'كلاهما يوظف الكتلة التصويتية من خلال ادعائه بأن له نفوذاً على ملايين الأتباع'. وترى الدكتورة هالة أن شيوخ الصوفية يغيرون تحالفاتهم، فهم إما مع الليبراليين أو مع الإسلاميين أو مع قوى أخرى، رغم 'الادعاء بأنهم بعيدون عن السياسة'.
هذا وتعتقد الباحثة المصرية أن معالجة إشكالية الإسلام السياسي لا يمكن أن تتم بالاعتماد على بدائل تقليدية لا تختلف في جوهرها عن مشروع الإسلام السياسي، بل من خلال 'قراءة نقدية لنصوص ومواقف تيارات الإسلام السياسي'. وتضيف أن المطلوب في المقابل هو تقديم 'ثقافة مدنية بديلة'، متسائلة: 'ماذا فعلت التيارات المدنية؟ لماذا لم تتفاعل مع الجماهير؟ لماذا بقيت في إطار نخبوي؟'
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو