الوكيل - لم تُنس السنون الاربع البسطاء والعامة شيخ العصر وإمام الدعاة الشيخ نوح علي سلمان القضاة، الذى رحل عن عالمنا منذ اربع سنوات فى مثل هذا اليوم، تاركا وراءه تراث علمى وفكرى ودينى كإمام مفكر ومجدد، برز عن نظرائه، وبات علامة بارزة فى تاريخ الإنسانية، عرف بعقلانيته وفلسفته واحترامه للعلم والعلماء.
لقد ودَّعَنا الشيخ نوح القضاة فجأة وبدون إنذار ولا مقدِّمات، بل مات في صمت، كما عاش في صمت، رحمه الله، وفقدت الأمة الإسلامية، والدعوة الإسلامية، والدراسات الإسلامية، فحلاً من فحول العلم، وعَلَمًا من أعلام الأمة، ورائدًا من روَّاد الدعوة والتربية بحقٍّ.
إنه أحد العلماء (الربانيين) في هذه الأمة، والرباني -كما فسَّره السلف- هو الذي يَعْلم ويعمل ويعلِّم، فهو يجمع بين الأمور الثلاثة: العلم والعمل والتعليم. وقد قال تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: 79].
أما علمه، فقد شهد له به شيوخه، وشهد له به إخوانه، وشهد له به تلاميذه، وشهدت به آثاره التي خلَّفها، تأليفًا وتحقيقًا.وأما عمله فقد شهد له كلُّ مَن عرَفه، وكلُّ مَن عايشه – وأنا منهم- أنه كان طوال حياته رجلاً عاملاً لا عاطلاً، وجادًّا لا هازلاً، وبانيًا لا هادمًا، يُعطي قبل أن يأخذ، ويضحِّي قبل أن يستفيد، وإذا عمل أتقن، وإذا قال أحسن، يقول ويفعل، ويَعِد وينجز، ويعاهد فيوفِّي، ويؤتمن فيؤدِّي.
وكان – رحمه الله- عفَّ اللسان، لا يسيء إلى أحد في حضرته، ولا يذكر أحدًا بسوء في غيبته، فقد شغله الحقُّ عن الباطل، وشغله العلم عن الجهل، وشغله الإيمان عن اللغو.وكان إذا وكِّل إليه عمل استفرغ فيه جهده، ووفَّى له حقَّه.
وأما تعليمه، فقد كان معلِّمًا بالنظرة، ومعلِّمًا بالدراسة، ومعلِّمًا بالخبرة والممارسة ، وقد استكمل كلَّ مقوِّمات الأستاذ أو المعلِّم الناجح. وهي: قوَّته في المادَّة التي يعلِّمها، وتمكُّنه منها، ثم حسن طريقته في تعليمها، ثم أن تكون له شخصية تجذب طلاَّبه إليه.
ولد سماحة الشيخ الدكتور نوح علي سلمان القضاة رحمه الله، في بلدة عين جنة في محافظة عجلون عام 1939م ونشأ في بيت علم وتقى وورع لأسرة علمية معروفة بالعلم والفضل حيث كان والده الشيخ علي سلمان رحمه الله فقيهاً شافعياً، أجازه في علومه ومعارفه كبار علماء الشام في طليعتهم الشيخ علي الدقر، وقد علّم أبناءه الأربعة العلوم الشرعية والعربية قبل أن يبعث بهم إلى الشام لتلقي العلوم الشرعية على أيدي علمائها.
درس الشيخ نوح المرحلة الابتدائية في الأردن ثم سافر إلى دمشق عام 1954م وقضى هناك سبع سنوات في معهد العلوم الشرعية، التابع للجمعية الغراء التي أسسها شيخ والده، الشيخ علي الدقر رحمه الله حيث أكمل فيها الدراسة الإسلامية من المرحلة الإعدادية حتى نهاية المرحلة الثانوية، وتخرج منها عام 1961م، وبعد إتمام دراسته الثانوية في المدرسة الغراء التحق بكلية الشريعة في جامعة دمشق ومكث فيها أربع سنوات (1961-1965م) وحصل فيها على الشهادة الجامعية في الشريعة.
وفي عام 1977م سافر إلى القاهرة للحصول على درجة الماجستير في الفقه المقارن، حيث درس أصول الفقه على يد العلامة الشيخ الدكتور عبد الغني عبد الخالق، والفقه المقارن على يد الشيخ حسن الشاذلي، واستمع إلى محاضرات في التصوف لشيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود رحمه الله، وحصل على درجة الماجستير من جامعة الأزهر، وقدم رسالة في جامعة الأزهر بعنوان 'قضاء العبادات والنيابة فيها' بإشراف الدكتور محمد الأنبابي وذلك عام 1980م كما حصل على درجة الدكتوراه من جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض عام 1986م، وقدم رسالته بعنوان 'إبراء الذمة من حقوق العباد' وكان المشرف على رسالته الشيخ صالح العلي الناصر رحمه الله، ثم الشيخ الدكتور صالح الأطرم.
عمل في سلك القوات المسلحة برتبة ملازم أول، (مرشد ديني) وعمل بجانب الشيخ عبد الله العزب الذي خلفه في منصب الإفتاء في عام 1972م وبقي في منصبه متدرجاً في الرتب العسكرية، حتى عام 1992م، حيث أنهى خدماته برتبة لواء وفي عام 1992م، عُين قاضياً للقضاة في الأردن، ثم استقال بعد عام واحد، فتفرغ للتدريس في حلقات علمية في مسجده وعمل أستاذاً جامعياً في الشريعة الإسلامية في جامعتي اليرموك وجرش.
وفي عام 1996م عُين سفيراً للمملكة الأردنية الهاشمية لدى إيران حتى عام 2001م ثم عَمِلَ مديراً لإدارة الفتوى في دولة الإمارات العربية المتحدة وقد ذكره العلماء هناك بكل خير حتى أن كل وسائل الإعلام وخطباء المساجد والعلماء يرجعون إلى فتواه الشهيرة بان السائق الذي يقود مركبته فوق الحد المسموح به ويلقى مصرعه يعتبر في عداد المنتحرين، كما عَمِلَ مستشاراً لوزير العدل والأوقاف والشؤون الإسلامية ومستشاراً لوزير التعليم العالي حتى عام 2007م ثم صدرت الإرادة الملكية السامية بتعيينه مفتياً عاماً للمملكة الأردنية الهاشمية، وبقي في منصبه حتى قدّم استقالته في شهر فبراير عام 2010م.
لقد قام سماحة الشيخ الدكتور نوح القضاة، ومنذ تعيينه مفتياً في القوات المسلحة عام 1972م بإصدار آلاف من الفتاوى لأسئلة تهتم بكل جوانب الحياة وقد تم نشرها في المجلة الإسلامية للقوات المسلحة بعنوان (التذكرة) بالإضافة إلى محاضرات ومؤلفات ومقالات حول موضوعات متنوعة وفي شتى مجالات الحياة، وقد سعى جاهداً ليترك بصمة واضحة تميز بها الجيش الأردني، حيث سعى لإيجاد إمام في كل وحدة عسكرية ليؤم أفراد وحدته العسكرية ويلقي دروساً دينية وكان يرتب لهذا الإمام برامج ودورات إسلامية إضافية في الفقه الشافعي وتفسير القران والحديث والعقيدة، كما أسس في الجيش كلية الأمير الحسن للدراسات الإسلامية حيث يقوم خريجوها بالتوجيه الديني في الجيش وبرتبة عسكرية تبدأ من رتبة ملازم.
لقد كان الشيخ الجليل نوح القضاة شخصية فريدة ليس لها مثيل وكذلك فان رحيله لم يكن رحيلاً عادياً فهو القريب إلى قلوب كل المسلمين الواعظ الراشد الرصين الطيب الحكيم الزاهد المداوم على عبادة ربه الورع التقي طاهر القلب والسريرة المحب لكل طالب علم، والباقي من السلف الصالح، كان على الإطلاق انجح الوعاظ والدعاة، الجامع للصفوف والرافع للهمم أحب أن يرى جباه المسلمين عالية شامخة ولكنه غادر في وقت قد نكون أحوج إليه أكثر من أي وقت مضى. فكيف يمكن لمن كان الأقرب للناس ومشاركهم أفراحهم وأتراحهم أن يسلوه فأفعاله وصدقاته التي قدمها في حياته والتي انتفع بها عدد كبير من الناس ستبقى شاهد عيان على إنسانيته وورعه، وهذا الكم الهائل من المتعلمين والمثقفين الذين اخذ بيدهم ليبين لهم طريق الحق من الباطل سيبقون الذاكرين والمترحمين على روحه الطاهرة، ما رحل الشيخ نوح وقد ترك لنا درةً من أبنائه الذين يسيرون على نهج والدهم فهم ورَثة والدهم في الأخلاق والإحسان، ما رحل نوح القضاة وقد شارك في تشجيع جنازته ألوف مؤلفة من الناس المحبين والبارين له والذاكرين له على الدوام.
لم يكن الشيخ نوح داعية وعلاّمة ورجل دين وواعظ وسياسي محنك فحسب بل كان قارئاً لمستقبل هذه الأمة الإسلامية وفق شريعة الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ومن يسير على نهج سماحة الشيخ نوح القضاة فانه لم ولن يضل طريقه في حياته الدنيا، وقد عُرف سماحة الشيخ نوح القضاة، بغيرته على مستقبل العالم الإسلامي حيث كان يتألم لما يعاني منه هذا العالم من صعوبات ومعوقات وخاصة في الإطار الذاتي.
تحية للحبيب الشيخ نوح ، وجمعنا الله تعالى بك يوم لا ظل إلا ظله ، ورحمك الله رحمة واسعة ، فقد كان يشع منك مجال إيماني مريح كلما طالعت وجهك السمح ، ولا نزكيك على الله تعالى ، ولكنها شهادة نُسأل عنها يوم القيامة.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو