الجمعة 2024-12-13 06:47 ص
 

رسالة إلى البغدادي؟!

10:47 ص

وجه مجموعة من علماء الدين مؤخرا رسالة مفتوحة إلى زعيم تنظيم داعش الإرهابي. الرسالة التي حظيت برعاية رسمية أردنية حملت تواقيع شخصيات دينية من الأردن ودول عربية وإسلامية، واستخدمت في مقدمتها عبارات وقورة في مخاطبة البغدادي، حتى أن الموقعين عليها لم يهملوا صفته الأكاديمية؛ 'الدكتور إبراهيم كذا البغدادي'.اضافة اعلان

رغم ذلك كله كان يمكن قبول الرسالة كمادة للسجال بين الفقهاء وعلماء الدين، لتفنيد خطاب التطرف والكراهية الذي تتبناه 'داعش' في مواجهة خطاب الاعتدال والوسطية. لكنّ القائمين على الرسالة اندفعوا بخطوة غير محسوبة حين قاموا بطباعة آلاف النسخ وتوزيعها على طلاب المرحلة الثانوية في المدارس الحكومية، في مسعى منهم لدحض شرعية خطاب 'داعش' ونسف الاجتهادات الدينية التي يستند إليها في تبرير أعماله الإجرامية بحق المسلمين من مختلف الطوائف، وغير المسلمين.
أنه لأمر مدهش حقا إغراق أجيال الشباب واليافعين بجدل ديني لم يحسم على مر العقود بين مدارس دينية وفقهية شتى، فيما نحن ندخل في بدايات قرن جديد يحمل في طياته مؤشرات ثورة علمية ومعرفية عمادها العقل، سيبدو كل ماتحقق قبلها من تقدم وتحضر نقطة في بحر.
إن المنهج الذي نتبعه اليوم لمواجهة التطرف والإقصاء وثقافة الكراهية، واستعداء الآخر يستند إلى نفس المنطق الذي تأسست عليه ثقافة الجماعات الإرهابية مثل 'داعش'؛ نص ديني في مقابل الآخر، وحادثة من التاريخ تبرهن على أصالة الاعتدال، في مقابل حادثة أخرى تدعم حجج المتطرفين. وهكذا نغرق في جدل لا ينتهي؛ أخطر ما فيه أننا نجرّ أجيالا بحالها إلى الماضي بدلا من أن نفتح عيونهم على المستقبل. بماذا نختلف إذا عن 'داعش'؟ أو ليس الماضي هو عنوان مشروع دولتهم؟!
مواجهة التطرف لا تكون إلا بخطاب جديد يقوم على غرس قيم التنوع والتعددية، وثقافة الديمقراطية، واحترام الحريات، وقبول الآخر. هذه هي الثقافة التي تهزم التعصب والتطرف، وتكرس الولاء الوطني والقومي، وتؤهل الأجيال الجديدة إلى تجاوز عقدة الآخر، واحترام مبادئ المساواة في الفرص، وسلطة القانون على الجميع.
إن مشكلة مجتمعاتنا ليست في نقص مفاهيم الاعتدال الديني؛ على العكس المجتمعات العربية عموما تعاني من فائض في التدين وعجز في مخزون المواطنة والديمقراطية، ومبادئ الحياة في عالم واسع ومتنوع.
لا أعتقد أنه سيكون للرسالة وما ورد فيها من مفاهيم اعتدال أي تأثير على توجهات الشباب التي تتسم في العموم بالانفعال والتمرد؛ فالعوامل التي تدفع بهم إلى التطرف ليست دينية في جوهرها، بل ثقافية واقتصادية واجتماعية، وإذا لم نشرع في معالجتها، فإن التراث الديني لن يسعفنا أبدا في معركتنا مع التطرف.
تظهر التجارب الشخصية أن التعليم العام في الأردن يعزز ثقافة التطرف، والتمييز ضد الآخرين لاعتبارات مختلفة. وقد أُهمل هذا البعد لسنوات طويلة، حتى تأصلت ثقافة معادية لقيم العصرنة في أوساط أجيال من الخريجين، وانتقلت معهم إلى الجامعات، فطغت العصبيات بكل أشكالها على الهويات الجامعة. وفي غياب مشروع شامل وجذري للإصلاح الوطني، ومحاباة مؤسسات الدولة للثقافة السائدة بكل مفاهيمها وتجلياتها الدينية والقبلية، والطبقية، اكتشفنا حجم مأزقنا بمجرد أن رفعنا الغطاء عن جوف المجتمع.
لكننا وعوضا عن مواجهة المشكلات ها نحن نهرب إلى الماضي من جديد مثل'داعش' تماما.
 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة