الخميس 2024-12-12 12:29 ص
 

رماد الحرب ومسمار الشاعر

10:29 ص

الوكيل - يضع الشَّاعر صلْصال الواقع، على قرص الخزّاف، يدوّره، فكلّ يجري لمستقرٍ، يدوّره على فلك الخيال؛ هو إنْ كان عرّاف التفاصيل، لا تعنيه نبوءة أو استقبالا، فكلّ ما يرجوه من شعره أن يمدّ تاء الرؤية إلى ألف الرؤيا. اضافة اعلان

‘لِمَ القمرُ لَمْ يرتدِ حُلّةَ المجيءِ؟ ونلبس لَهُ قميصاً بلونِ السَّحاب، ففي الحياةِ التي لم تُسْتَلَّ بَعْد، ما زِلنا نبحثُ حائرين عن أقصرِ الطُّرقِ إلى العتمة’
التخيّل هو المعادل الوجودي للواقع المكبوت المسلوب بالحرب والغربة، أنّه تصعيدٌ، دفعٌ لليبيدو الواقع لكي يتسامى، فالحرب والغربة والنفي، تسفح دلالات اللغة، تحوّل الدال إلى عدم، يخلق الحياة على شبهه ويحلّ فيها والشّاعر، كونه آخر الدنكوشوطيين، يحمل قصيدته/ عكازه/ رمحه ويكرّ على طاحونة العدم، صارخاً بسانشو/ القلم، ألا دونْ ،أيّها الخادم المتهكِم.
‘صباحاتٌ تركضُ مثلَ حصانٍ فوقَ رمادِ الجرحِ المفتوح رأيتُ وجهَك ممراً للضوءِ في ذاكرةٍ ترفعُ علماً أسود، لا أرى الآن غيرَ وجهِك أتأمله فجراً أو حينَ الغُروب أُرمِّمُ تصدُّعَ البُعدِ بحَكايا عن السفنِ والمرفأِ القديم وصورٍ من زمنِ الحرائق ارسمُ خارطةً نامت بينَ حدقاتِ الفُضول تتلمسُ طريقاً في صباحٍ رماديٍّ آخر’.
قاسم محمد مجيد الساعدي في ديوانه الذي يعتبه بـ ‘من مدوّنة مفلس′ يطلق التّوقع ومن ناحية يكبحه، فمن ناحية يعلن عن نصّه ومن ناحية أخر يشهر إفلاسه، هذا التهكم المرير وليس السّاخر، يشتغل وفق المقتضى السّابق المذكور أعلاه، فلكي يواجه عدمية الحرب والمنفى والموت، يعلن عدميته، المواجِهة للعدمية السابقة، لكن هذه العدمية، نصّ والنصّ هو مواجهة للدلالات التي رسختها الحرب، بدلالات مقاومة، فالتهكم إنْ كان في بعض جزئه هدّامٌ، ففي الجزء الآخر بنّاء، أيّ تطعيم الدّال القار واليابس في طمي الحرب عبر تدويره على قرص الخزّف وتشكيل الحياة من جديد.
إنّه يعيد نداء الأشياء التي تصنع الحياة، وإذ يفعل يوقف استغراق الديون لتفليسته. إنّه يقدم دلائل الحياة، بالشهادة عندما يحرق نصّ الحرب كلّ النصوص، فتصبح الشهادة نصّ إثبات.
‘صديقُ البَردي:
أجلسُ قربَ البحرِ، فأرى موجَهُ الذي يعلو فأسبحُ في تيارِ الفَراغِ بجسدٍ تمرَّدَ متأخراً وعينين غائرتين، أشْبهَ بعيني طائرٍ مُجهَد زمني الواقفُ كتمثالٍ رومانيٍّ منحوتٍ في جدار حمَل أسمالَ الروحِ في سكرةِ اللونِ الواحِد، فأنا لا أُجيدُ الاشتباكَ مع الحياة أو ركوبَ الخيالِ المُتهوِّرِ أصحابي أصابهم طاعونُ النسيانِ، فلم تأتني منهم إلا رسالةٌ مبتهجة بمظروفٍ أسود أنا الجَنوبيُّ صديقُ البردي.. لِمَ أنا هنا ؟ فعالمي كان ينتهي عندَ نهايةِ حقولِ القصبِ، لكن العالمَ، كان أوسع متى عرفتُ؟ .. لا أدري ! رُبما حينَ تقيَّأَتِ الأرضُ صراعاً وخوفاً وهجرة وغطى بلادَنا غُبارُ العتمةِ ماذا عن قريتِنا ؟ .. أختنقُ بالجواب !’.
الشّاعر الساعدي في شعره، يقف على نهر الرماد، يجمع الحمأ المسنون، يجبله بحبره ويمضي كاتبا كأسلافه القدماء، مسمارية تبقى شاهدة على الموت وإرادة الحياة.
ونختم بهذا المقطع:
‘لا نطلب حياة ثانية ما دام الوقت لا يروض شفتيه كي نرصد أضعف نقطة من خارطة بقائه ورغم أنف اليوم التالي ظلّت ساعاتنا معطوبة من الملل/ الضباب المتكدس على حافة النافذة أنّه ثمن ؟ أن ترسم سكك حديدية بلا قاطرات متحيزاً للبلادة بقاءنا إشاعة لا غير وورقة لعب رابحة في لعبة الأعصاب / ليلة نهوض الموتى رجل عجوز يقود حفيدة للمقبرة وقرب قبر عازف الطبل بدأ الوجع احتفاليته’.
‘من مدونة مفلس′ للشاعر العراقي قاسم محمد مجيد الساعدي، صدر عن مطبعة الأعيان، العراق 2013


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة