منذ أن خطت اتفاقية 'سايكس بيكو' حدود المشرق العربي، لم تنفك شعوبه عن الاعتقاد بأن الاتفاقية مؤامرة جرى تدبيرها لقتل الحلم العربي في الوحدة والتحرر.
لم تتوقف المحاولات للانفكاك من قيد 'سايكس بيكو'، لكن بعيد كل وحدة تنهض ثم تسقط كانت الشعوب تزداد انكفاء على الدولة القطرية.
ظل المشرقيون على هذه الحال حتى مطلع سبعينيات القرن الماضي؛ فبرحيل الرئيس المصري جمال عبد الناصر، تبددت نهائيا أحلام الوحدة، وتعززت شرعية الهويات القطرية.
كان البعثيون قد وصلوا إلى السلطة في العراق وسورية، وبخلاف وعودهم بقيادة مشروع الوحدة العربية، اقتتلوا فيما بينهم، فسادت القطيعة بين القطرين.
توالت الأحداث في المنطقة؛ الأردن استقر مملكة على الضفة الشرقية، بعد أن ضرب مشروع الوحدة في الصميم، بضياع القدس. لبنان وقعت تحت الحكم السوري، والعراق دخل عالم المجهول منذ المواجهة الكارثية مع إيران. مصر صارت في عهدة 'كامب ديفيد' وشرعت في إعادة ترميم هويتها الفرعونية.
عمليا فقدت 'سايكس بيكو' وصفها كمؤامرة غربية، وتبدت واقعا موضوعيا، اكتسب شرعيته القطرية، وصار لها تقاليد كسائر القطريات الوطنية في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية. وساهمت عقود الحرب الباردة، وانقسام الدول العربية بين معسكريها إلى محو آثار التقسيم الفرنسي الإنجليزي لتركة الرجل العثماني المريض.
وباستثناءات محدودة في الخطاب السياسي العربي، لم يعد أحد يسأل عن شرعية دول بلاد الشام ولا حتى الهلال الخصيب، بعدما نالت الاعتراف الدولي.
كان تذكر الوحدة حنينا مجردا من المعاني. ظل هكذا في الوجدان بلا وقائع تاريخية تدعمه. من أين نتأتي بالوقائع والمنطقة كلها كانت تحت الحكم العثماني لأربعة عقود متتالية؟
أقطار تجمعها هويات مشتركة؛ اللغة والدين والتاريخ، لكنها ليست كيانا واحدا ولاتستطيع أن تكون. ومع مرور الوقت تعزز الشعور بالهوية القطرية؛ سورية وأردنية ولبنانية وفلسطينية. وبدا مستحيلا لشعوب تلك الأقطار التنازل عن هوياتهم القطرية لحساب مشروع وحدوي يطمس سماتهم الخاصة. وأكثر ما يمكن الطموح إليه وحدة على غرار الاتحاد الأوروبي، تدمج الاقتصاديات الوطنية، وتوحد العملة، وتفتح الحدود، دون أن تلغي هويات الدول.
لم يحدث ذلك بالطبع، وليس في الوارد حصوله في المستقبل المنظور. على المدى القريب، ثمة ماهو أخطر من'سايكس بيكو' وحكم المستعمر الأجنبي. الأقطار التي صمدت لمئة عام مرشحة للتفكك من داخلها. الدولة الواحدة تتحول إلى دويلات صغيرة، يعجز أمهر الفنانين عن رسم خطوطها وحدودها. دويلات بلا ملامح، ولا جوامع. اللغة لهجات، والدين طوائف، والتاريخ أبدا ليس واحدا ولا المصير كذلك.
المشرق العربي يعود إلى زمن الرجل المريض؛ إلى ماقبل 'سايكس بيكو'. دول مستباحة بالجيوش الأجنبية، وبالمليشيات المرتزقة، يحكم السفاحون والقتلة مدنها وبلداتها. حاكم لا يقدر على حماية مكتبه في بغداد، وجمهورية بلا رئيس، تعجز أجهزتها عن جمع القمامة من الشوارع، رئيس يحكم ربع عاصمته. ومرتزقة إرهابيون ينضمون قريبا إلى منظمة 'أوبك'.
زمن'سايكس بيكو' انتهى، الرحمة على روحه.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو