السبت 2024-12-14 10:58 م
 

سر الأزمة الأردنية

06:08 م

سرّ الأزمة الأردنية المركّبة يكمن في أن السياسات الاقتصادية قسمت البلد إلى قطاعين: قطاع رأسمالي نيوليبرالي يقوم على الخصخصة وحرية السوق وقوانينها، وقطاع تقليدي قديم من الفئات العشائرية في المحافظات التي عُوملت كفائض سكاني له وظيفة مستمرة هي رفد الأجهزة الإدارية التقليدية والعسكرية والأمنية بالعمالة الكفؤة في مجالاتها والرخيصة الأجور، وتكليف الخزينة بسدّ احتياجات هذه الفئات المفقَرة والمهمّشة، المضطرة، في الوقت نفسه، إلى العيش بأسعار السوق ومعاييرها. بمعنى أنه جرى، لأسباب سياسية وأمنية ، عزل حوالي نصف السكان عن اقتصاد السوق، مضطرين، مع ذلك، إلى الاحتكام إلى معادلاته السعرية المعولمة. وهو ما يعني أن مئات آلاف الأسر تتقاضى دخلها المحدود وفق معادلات الدولة التقليدية المحلية، بينما هي مضطرة إلى الإنفاق وفق معادلات القطاع الخاص الرأسمالي، أي بالأسعار العالمية. وقد ترك الكمبرادور للخزينة حل المشكلة المتفاقمة لتلك الفجوة، وأفاد، إلى ذلك، من سياسات الدعم. ذلك أن مَن يملك أموالاً أكثر يفيد أكثر من تلك السياسات.اضافة اعلان

حين نتفق على هذا التوصيف للأزمة الاقتصادية الاجتماعية في البلاد، يمكننا تصوّر الملامح الأساسية للنموذج البديل، في المجال السياسي من خلال نظام انتخابي يكفل التمثيل السياسي على أسس اجتماعية وتنموية، وإطلاق حرية التنظيمات النقابية والاجتماعية والإضرابات للعمال والفئات الشعبية، ودعم التعاونيات، وفي الجانب الاقتصادي ـــ الاجتماعي، المطلوب حزمة متلازمة من السياسات، أهمها:
أولاً، إقرار معادلة الراتب الاجتماعي للموظفين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين، مقابل إزالة الدعم عن السلع والخدمات. ويقوم الراتب الاجتماعي على معادلة متحركة، حسب التضخم، لسلة العيش بالنسبة للأسر، بما في ذلك الغذاء والدواء والكساء والسكن والتدفئة.. الخ، مضافاً إليه امتيازات غير مدفوعة: العلاج والتعليم الجامعي المجاني والتدريب والتأهيل.. الخ، وحل مشكلة النقل بين المحافظات وداخلها بشبكة عامة منتظمة وجيدة من الحافلات ـــ ولاحقاً القطارات ـــ بسعر التكلفة، ومجاناً بالنسبة للطلاب.
ويشكّل الراتب الاجتماعي، الأساس في تحديد أجر الحد الأدنى الملزم، قانونياً، لدى القطاع الخاص، وذلك بالنسبة للعاملين الأردنيين والوافدين على السواء. وهو ما يضمن تلافي إحلال العمالة الوافدة محلّ العمالة الأردنية.
ثانياً، الدعم السياسي والإداري والمالي للاستثمارات المحلية الصغيرة والمتوسطة في المحافظات المفقرة، وإحياء الفلاحة التقليدية والمحدّثة عبر تعاونيات الحليب والحبوب، أي تربية الماشية وزراعة الحبوب ومنتجاتها. وبدلاً من بيع الأعلاف المدعومة لكبار الملاك والتجار، يتم توجيه الدعم للتعاونيات، وبدلاً من دعم الرغيف المنتج بطحين مستورد، يوجّه الدعم لمزارعي الحنطة ... وهكذا.
ثالثاً، إعادة هيكلة الضريبة على الدخل والأرباح من أي مصدر كان، وجذرياً، على أساس تصاعدي يصل إلى خمسين بالمئة، وكذلك الضريبة العامة على المبيعات من صفر للسلع والخدمات الشعبية إلى 24 بالمئة على السلع والخدمات البورجوازية. وفيما يتصل بالرسوم والضرائب غير المباشرة، ينبغي إعادة هيكلتها على أساس جغرافي تنموي، بحيث تتم إعادة تدوير السكان من العاصمة باتجاه المحافظات، ووقف التصحر الاجتماعي والبيئي فيها.
رابعاً، إعادة السيطرة الحكومية على التجارة الخارجية والداخلية للسلع الخاصة بسلة العيش، من خلال إحياء وزارة التموين.
خامساً، تدبير سياسات وإجراءات للسيطرة الحكومية على القطاعات الاستراتيجية (المناجم والاتصالات والنقل والطاقة والخدمات الأساسية كالتعليم الجامعي والطبابة). ولا تعني السيطرة الحكومية، هنا، التأميم بالضرورة أو إعادة شراء الحصص المبيعة للشركاء الأجانب ووكلائهم المحليين، بل تعني إلغاء اتفاقيات الإذعان الفاسدة الموقعة معهم، واستعادة القرار الإداري والاستثماري لمصلحة القطاع العام، ووقف الاحتكارات، وتشديد الرقابة الإدارية والمالية، والسيطرة على الاستثمار الحكومي أو التعاوني في المجالات الرئيسية أو المساندة في هذه القطاعات.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة