الدكتور محمد السنجلاوي - لقد تحوّلت الساحة السورية، إلى حلبة تنافس (عالمية وإقليمية)، تتعارك فيها أقطاب عملاقة، كما تحوّلت أيضاً، إلى حلبة صراع محاور وإرادات، تتقدمها ماكينات سياسية، وإقتصادية، وعسكرية، وإعلامية جبارة، وسط تدهور سياسي وإقتصادي على الصعيد العربي، الذي هبت عليه رياح التغيير 'المُبرمَجة'؛ لتحويله إلى أرض خصبة، لا نبات فيها إلا الخضوع، والإنبطاح، والإنقسام...
إن جميع القوى المعادية للدولة السورية، بخاصة 'البلدوزر' الصهيو– أمريكي، تدرك تمام الإدراك، أن سورية هي مفتاح التغيير في الشرق الأوسط، الذي طالما راهنت عليه، جميع أطروحاتها المكتظة بسيناريوهات (تفكيكية وتقسيمية)، مخدومة بأجندات ورؤى إستشرافية، صنعت دوراً للحاكم العربي، لا يتجاوز دور 'بيدق' مشنوق على رقعة مخططاتهم ورغباتهم، دوراً معانقاً في 'فخريته' أدوار بيادق العصر العباسي الثاني.
ترتيباً على ما تم طرحه سابقاً، وفي ظل رياح التغيير المُبرمَجة، أصبح المواطن العربي، فريسة للخوف من المجهول، وفريسة للتطاحن الداخلي، لا هم له سوى تأمين قوت يومه، الذي يتنافس على سرقته الفاسدون واللصوص، الذين تجلبب كثيرٌ منهم، بجلباب الثورة والإصلاح والتدين، كما إن هامش الحرية الذي أفردته ثورات ما يسمى 'الربيع العربي'، لم يغنم منه المواطن العربي، سوى الصراخ بأعلى صوته، مُخلّفاً وراءه صدىً لا يلامس سوى أذنيه، فالفساد في تزايد مستمر، والأمن في تدهور معيب ومريب، والفقر كشرَّ عن أنيابه، ملتهماً أحلامه وطموحاته، والتشاؤم غلّف رؤيته وسَدَّ عليه الأفق، والمجاعات بدأت تتدلى من عناقيد البرامج الإقتصادية الحكومية، المقيدة بأغلال صندوق النقد والبنك الدوليين.
وبالتالي انساق ذلك المواطن، للطريق الملّبد بمفخخات اغتيال العقل، وغسيل الدماغ، وتبديد الحس القومي والعروبي، متشرنقاً داخل 'كبسولات' وطنية تتقاذفها أرجل الغربان، في عصر اغتيال العواصم والحمائم.
إن سورية اليوم، تتحمل من الأعباء، والضغوطات، والمؤامرات... ما تنوء عن حمله الجبال وأعتى الدول؛ اذ أن الدول المعادية للدولة السورية، وعلى رأسها 'واشنطن وتل أبيب'، منضوياً تحت لوائها 'السبئيون الجدد'، قد نجحت إلى حدّ كبير، بتفريغ الأزمة السورية من كل مضامينها وأبعادها، فاتحة جميع الأبواب على مصاريعها لبعدين اثنين، سلطت عليهما الضوء بكل ما تملك من قوة، ألا وهما: البعد الديني والطائفي.
لو اتكأنا على التاريخ قليلاً، لوجدنا دون جهد أو عناء، بأن حادثة مقتل ثالث الخلفاء الراشدين 'عثمان بن عفان' رضي الله عنه، قد شكلت في التاريخ العربي والإسلامي ' قاصمة للعواصم'، حيث وصفتها كتب المؤرخين بأنها 'الفتنة الكبرى'، التي قادت إلى اشتعال معركتين مفصليتين، اختلف المؤرخون في حصر أعداد قتلاهما: موقعة الجمل (36ه)، والتي قُدر عدد قتلاها بحوالي (20 ألفاً)، ومعركة صفين (37ه) التي قدر عدد قتلاها بحوالي (70 ألفاً).
تلك الفتنة اشترك فيها فريقان متضادان، كل فريق كان يضم في صفوفه عدداً من كبار الصحابة، برروا دخولهم في المعترك، بجملة من الأحاديث النبوية المؤيدة لموقفهم، في حين اعتزل تلك الفتنة، عدد كبيرٌ من الصحابة رضوان الله عليهم، مبررين اعتزالهم بجملة من الأحاديث النبوية الشريفة، التي سميت بأحاديث الفتن.
وبالتالي بصرف النظر، عن أي الفريقين كان على صواب؟! فقد كانت النتيجة عدداً مخيفاً من القتلى، لا يعلم إلا الله إن كان مأواهم في الجنة أم في النار!!.
فما أشبه اليوم بالأمس!!، فها هم حملة سواطير التدين، ودعاة الفتنة جروا سورية إلى مستنقع حرب أهلية، فاقت في فظاعتها (الجمل وصفين)، لقد ضربت رياح الفتنة، جميع أرجاء سورية، مُهدمة خيم التسامح والتعايش، وقلاع التعقل، وممزقةً روابط الأخوة، والتاريخ، والجغرافية.
هؤلاء نجحوا في تصفية واغتيال جميع الأبعاد (السياسية والإقتصادية والإجتماعية...) الخطيرة للأزمة السورية، عن طريق تصويرهم لما يدور في سورية، على أنه حرب بين فسطاطين: (الحق والباطل) و (الكفر والإيمان)، لقد اتخذوا من الدين مطية لهم؛ لتحقيق مآربهم من خلال استخدام، قنوات إعلامية (عالمية وعربية)، لا يصدح فيها إلا المأجورون والمسيسون من رجالات الدين.
فهم يعلمون بأن العزف على الوتر الديني، والتلاعب بالمشاعر الدينية، يعد من أقصر الطرق؛ للوصول إلى قلوب الناس وأفئدتهم، فجندوا المئات من عامة الناس، وأقنعوهم بأن خير وسيلة للوصول إلى 'الحُور العِين'، وإلى الجنات التي تجري من تحتها الأنهار، هي الجهاد في سبيل الله على أرض سورية؛ لأن الجهاد فيها أعظم من الجهاد على أرض فلسطين، وذلك بالطبع على حد زعمهم.
لعله من باب المفارقة العجيبة، أن يصرّح رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا 'فرانسيس الأول': ' إن الرب قد افتدى الجميع بدمائه .. حتى الملحدين' ويصرّح هؤلاء: بأن الجنة لن تفتح أبوابها، إلا للمجاهدين في صفوف إسرائيل، وأمريكا، والإتحاد الأوروبي!!.
انطلاقاً من تأكيد فكرة تسليط الضوء على بعدين اثنين في الأزمة السورية والتحشيد لهما (الديني والطائفي)، فقد روى أحد دعاة الدين المشهورين 'محمد العريفي'، نقلاً عن شاهد عيان من مقاتلي المعارضة بأنه: 'نزلت الملائكة في سورية لنصرة الثوار، وكانوا يقاتلون على خيول بيضاء'.
كما دعا رجل دين آخر إلى: 'وجوب إعلان النفير العام، من قبل الحكام للجهاد في سورية'.
وذهب آخر في فتواه، الموثقة في الفيديو إلى حدّ الدعوة إلى: 'سبي النساء السوريات، واعتبرهن ملك يمين لمن يسبيهن، فيمكنه الزواج منهن بدون عقد ولا صَداق'.
وروج رجالات دين آخرون إلى ما أُطلق عليه (جهاد النكاح) الذي ينص على: 'أن يقوم المقاتلون ضد النظام السوري، من غير المتزوجين أو من المتزوجين، الذين لا يمكنهم ملاقاة زوجاتهم، بإبرام عقود نكاح شرعية، مع بنات أو مطلقات لمدة قصيرة لا تتجاوز الساعة أحياناً، يتم بعدها الطلاق؛ وذلك لإعطاء الفرصة إلى مقاتل آخر بالمناكحة'.
لقد حوّل هؤلاء جهاد النكاح إلى ظاهرة، مما جعل مفتي الديار التونسية 'عثمان بطيخ' يقول بعد اطلاعه على تحقيقات النيابة العامة: 'إن فتيات تونسيات سافرن إلى سورية؛ للمشاركة في جهاد النكاح مع إسلاميين يقاتلون قوات الرئيس السوري بشار الأسد'.
إن العجيب في موضوع 'الفتاوى البترولية' أو فتاوى 'البترو– دولار'، أن عدداً من أصحابها، عندما حدثت حرب تموز (2006م) بين مقاتلي 'حزب الله' والجيش الإسرائيلي، ساندوا قضية المعجزات المزعومة في تلك الحرب 'إن صواريخاً انطلقت من لبنان باتجاه إسرائيل، دون معرفة مصدر إطلاقها ومن أطلقها، وأصابت أهدافها بدقة وأدهشت الخبراء العسكريين، كما سقط العديد من القتلى الإسرائيليين برصاص من مصدر مجهول، أثارت دهشة مقاتلي حزب الله'.
ولا يعزب عن بالنا، ما تم الترويج له في حرب أكتوبر (1973م)، بين الجيشين 'المصري والسوري' ضد الجيش الإسرائيلي، والذي ورد على لسان أحد كبار الجنرالات المصريين: 'إن الملائكة كان لهم الدور البارز في تحقيق النصر، وإن الجنود المصريين شاهدوا بأم أعينهم مجاميع الملائكة وهي تعبر معهم القناة'.
وفي معركة 'الفلوجة' العراقية (2004م)، والتي دارت رحاها بين المقاتلين الإسلاميين وقوات الغزو الأمريكية، أصدر تنظيم القاعدة بياناً قال فيه: 'إن الملائكة كانت تشارك في القتال مع القاعدة ضد القوات الأمريكية والعراقية المشتركة'.
حتى دولة إسرائيل، التي قامت بناءً على أساطير وأكاذيب دينية ملفقة، امتطت هي الأخرى الدين، عقب حربها على غزة التي سماها الإسرائيليون 'الرصاص المصبوب' في العام (2009م)، فصدرت فيها كتب تضمنت روايات لجنود إسرائيليين أفادت بوجود: 'ملائكة كانت تساندهم وتحميهم من رصاص جنود حماس وصواريخهم أثناء الحرب على غزة'.
وقد جاء ذلك، رداً على روايات فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، التي روج عدد من مقاتليها، لروايات كثيرة حول وقوف الملائكة إلى جانبهم في قتالهم ضد الصهاينة اليهود.
ومن كان من عشاق الدهشة والغرائب، والقصص التي تفوق الخيال، فما عليه سوى الإطلاع على كتاب الدكتور 'عبدالله عزام' رحمه الله، الذي يعد رائد 'الجهاد الأفغاني' (آيات الرحمان في جهاد الأفغان). هذا الكتاب الذي ألفه صاحبه عام (1984م) جاء بناءً على ما سمعه من المجاهدين الإسلاميين ضد الروس، الذين أكدوا له: بأن الملائكة شاركتهم القتال، وكذلك الزواحف، والطيور، والأشجار، والأحجار، والضباب، والرياح، والحيوانات. حتى أن بعض الشهداء عندما طلب منه والده آية، مد إليه – وهو ميت – يده وظل مصافحاً له مدة (ربع ساعة).
تعقيباً على ما سبق، لقد حوّل بعض رجالات الدين، وباباوات الروايات الرسمية، أغلب المعارك التي خاضها العرب المسلمون في العصر الحديث، إلى معارك لا تخلو أجواؤها من معجزات معركة 'بدر الكبرى'، وبالتالي جميع قتلاها شهداء، فهي معارك تعج بالكرامات، والآيات، والمعجزات، تحل على كل شاكٍّ أو منكرٍ لها، لعنة الكفر الصريح.
ولكن انطلاقاً من منهج العقل والحكمة، فإننا نرد على هؤلاء بالقول: لماذا لا تهبط الملائكة على شكل دبابات، لا تعرف المصانع العسكرية العالمية لها مثيلاً، بدلاً من أن تهبط أرض المعركة، على خيول بيضاء، في عصر (الدبابات والطائرات والرشاشات)؟!! لماذا أصبحت الهزائم حليفة لنا نحن العرب، فنحن نكاد في كل عام نخسر عاصمة من عواصمنا، أليس حريّاً بمن تقاتل إلى جانبه الملائكة أن يُظهره الله على عدوه بالنصر؟!!، لماذا بعد حرب أكتوبر التي شاركت فيها الملائكة، وُقعت اتفاقية 'كامب ديفيد' (1978م) المخزية مع الكيان الصهيوني؟!!
لماذا خسرنا العراق ونفطه بعد الغزو الأمريكي، أم أن الملائكة كانت مرسلة فقط لحماية الفلوجة من أيدي الغزاة دون العراق ككل؟!! لماذا كان كل من يحارب من العرب في أفغانستان ضد الروس الشيوعيين، يعد بطلاً وشهيداً وفق شاشات التلفزة العربية الرسمية في وقت من الأوقات، ولكنه أصبح في قت آخر بعد أحداث (11 سبتمبر) يعد بسبب قتاله ضد الأمريكان، إرهابياً وتكفيرياً تفوح رائحة نتنة من جثته بدلاً من المسك وفق شاشات التلفزة الرسمية ذاتها؟!!
لماذا روجوا لفكرة محاربة الملائكة إلى جانب المجاهدين الأفغان ضد الروس، ولم يروجوا لحقيقة السلاح الأمريكي الذي كان بأيدي المجاهدين، ولحقيقة الدور الذي لعبته المخابرات المركزية الأمريكية لصالح المجاهدين، مدعومة بالنفط العربي؟!!
لماذا أصبح اليوم 'حزب الله' هو حزب الشيطان وحزب اللات، بعد أن قاتلت بالأمس إلى جانبه الملائكة؟!! لماذا وصفوا بعض قادة ما يسمى 'المجموعات الإسلامية' في سورية بشيوخ المجاهدين، رغم علمهم الأكيد بأنهم قادة الفضائح الجنسية أمثال 'أبو جعفر الحمصي' وغيره.؟!!
لماذا يصر بعضهم على عدم الإعتراف، بأن جهاد النكاح هو الدعارة بعينها، تقوده شبكات هم يعلمون أصحابها؟!!
لماذا حولوا المذهب الشيعي إلى خطرٍ أعظم من الخطر الصهيو- أمريكي، وأكثر كفر منه، وهم بالأمس القريب قد أصدروا فتاوى لا تبيح تكفيرهم؟!! علماً بأن كبار العلماء لم يكفروا الشيعة مثل: (الشيخ شلتوت، محمد الفحام، محمد الغزاوي، مصطفى الرافعي، محمد رشيد رضا، حسن البنا، أحمد الباقوري...) كما أصدر الشيخ القرضاوي في عام (2008م) بياناً قال فيه: 'أنا لا أكفرهم، كما فعل بعض الغُلاة... وما بيننا وبين الشيعة من الخلاف هنا، ليس أكبر مما بين المذاهب السنيّة بعضها بعض، ولذا نقلوا عن شيخنا شلتوت شيخ الأزهر رحمه الله: 'أنه أفتى بجواز التعبد بالمذهب الجعفري، لأن التعبد يتعلق بالفروع والأحكام العملية، وما يخالفوننا فيه من الصلاة والصيام وغيرهما، يمكن تحمله والتسامح فيه'.
لماذا لم يروجوا لقول الشيخ 'صالح المغامسي'، عندما سُئل عن صحة وجود فيديو للملائكة في سورية، على اليوتيوب رصدتها أعين الكاميرات: إنه من المستحيل حدوث ذلك؟!!
لماذا لم يراجعوا أنفسهم، بعد فتوى العلامة وعضو هيئة كبار العلماء في السعودية 'صالح الفوزان' 'إن ما يحدث في سورية فتنة، ولا يجب أن يدخل الإنسان فيها بل يبتعد عنها، ويدعو للمسلمين بالنصر والفرج، ويكثر من الدعاء'؟!!
إن الحرب في سورية، ليست حرباً دينية أو طائفية، بل هي حرب مصالح قذرة، حرب مُسيّسة مسعورة، لا تخدم إلا إسرائيل وأمريكا، هذه الحرب ليست بحاجة إلى ملائكة من السماء، وإنما بحاجة إلى أصوات حرة وعقلانية، تدعو إلى ضرورة التخلص من شياطين الأرض، وعدم الإشتراك في الفتنة، والدعوة إلى إصلاح ذات البين، وتدعو إلى فضح المخططات الصهيو– أمريكية المدعومة عربياً، أصوات تدعو إلى إسقاط الأقنعة عن كل دعاة الفتنة وتعريتهم، كل ذلك كي لا تنجر المنطقة برمتها إلى حرب دينية بالفعل، يشترك فيها العقلاء والمجانين، والمقاومون والمقاولون، حرب لا ترحم كبيراً ولا صغيراً ولا رجلاً ولا امرأة.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو