السبت 2024-12-14 07:05 م
 

"سويسرا الوطن والمنفى" للروائية سناء أبو شرار .. الفكر بوصفه أرضية مشتركة

01:00 م

الوكيل ـ تيسير النجار ـ صدر حديثا عن دار الهلال المصرية للروائية الأردنية سناء ابو شرار رواية 'سويسرا...الوطن والمنفى' وتتطرق الرواية إلى واقع الغربة الجديد لعدد من الجنسيات العربية: عراقية- فلسطينية- سورية وهي غربة حديثة ومختلفة عن غربة العربي في السابق؛ حيث كانت الغربة سابقاً و بأغلب الأحيان غربة إختيارية للعمل أو الدراسة ولكن الغربة الحديثة هي غربة إقتلاع فعلية، لأن من يهاجر لن يعود، فوطنه لم يعد يصلح للحياة. اضافة اعلان


شخصيات الرواية تريد الانعتاق من ألمها الشخصي أولا ومن ثم ألم تجاه اوطانها وغربتها الروحية فيها ثانيا، وكأن الذاكرة ترغب بإعادة إنتاج ذاتها والتحرر من ثقل ما علق بها من أهوال الحرب والخراب والخواء الاجتماعي أيضا.

يدرك أبطال الرواية بأنهم لن يستطيعوا العودة لأوطانهم لأن أوطانهم تحترق أو مدمرة أو لم تعد تقدم لهم أي خيار مستقبلي مادي أو إجتماعي أو سياس. فيعلمون تماماً بأن سويسرا تتحول إلى الوطن والمنفى، الرواية تحلم فكرا يتعالق مع الثقافة العربية والاخرى الغربية بطريقة لافتة ومدهشة ، كما وتحمل الرواية تشخيصات سيكولوجية مؤثرة ومهمة تدلل على سعة إتساع الثقافة الانسانية للروائية وعلى الأخص حين نعرف انها تتقن عدة لغات .

اماكن متعددة تناقشها الرواية : بغداد ، ودمشق ، والخليل ، وبيرن وراين فيلدن السويسرية وكل تلك المدن تصفها الروائية وكأنها جزء رئيسي من شخصيات روايتها ولا تحضر فقط كأماكن جامدة ولا تتغنى بها وبجمالها بل ترصد لنا حركة الحياة وجوانيتها ، والسياق الحضاري لها وكيف تحتضن الإنسان وتحميه حتى من نفسه .

الرواية لا تكتب الخوف الإنساني فقط بل وتفصل أدق تجلياته الإنسانية عبر مشاهد الخوف من الحرب وحتى الخوف من البشر فيما بينهم، رواية تجسد الدموع للعيون والاختناق للأصوات وهي تصور الحزن القاسي والطويل للأرواح .

وتناقش الرواية مشاعر الانسان العربي في ظل هذه الغربة القسرية والتي لم يختارها ولكنها أصبحت طريقه الوحيد للبقاء على قيد الحياة. ثم تنتقل الرواية في جزءها الثاني من وصف مشاعر الغربة والإقتلاع إلى محاولة إيجاد جذور في الأرض الغربية، والنظر إلى الحياة الأوروبية بنظرة المواطن لا الغريب، فيبحث أبطال الرواية عن خيوط تربطهم بالمجتمع السويسري وأنهم مضطرون لإيجاد حياة أخرى بدلاً عن البكاء لأجل وطن ضائع.

مكونات عديدة تحملها الرواية لها علاقة بشرح الحياة الشرقية ودون عقد مقارنات مباشرة تنقلنا الرواية لطبيعة الحياة في سويسرا وكيفية الانتماء للمكان وكيف يختار الإنسان نفسه طريقة رسمه للمكان كما وتقدم لنا شروحات مطولة عن إفرازات الواقع العربي الجديد الذي لم نجد فيه مفهوما متفقا عليه لمفهوم الوطن .

الشخصيات في الرواية معظمها شخصيات سويسرية حيث تم تسليط الضوء على الحياة الإجتماعية في سويسرا ونقل أفكار وطريقة حياة المجتمع السويسري بثقافته العميقة والأدب الجم الذي يعتبر سمة فارقة لهذا المجتمع الأوروبي وتتنوع الرواية بين وصف الأماكن والحوارات المتبادلة بين ثقافة الشرق والغرب.

الرواية التي يمكن وصفها رواية إنسانية بإمتياز هي بالضرورة أعمق من وصف إحدى شخصيتها ' سويسرا' أصبحت فعلا وطني الثاني فالانسان بالضرورة أينما وجد كرامته يجد وطنه .

وتقول الروائية ابو شرار انها بهذه الرواية تجاوزت فروقات الجنسية والدين والعرق، لتشعر كل شخصية بها بإرتباطها الانساني والذي يتجاوز كل ما أصطنعه الانسان لنفسه من فروقات وتعقيدات إجتماعية وفكرية ثم إن الغربة رغم ألمها وصعوبتها يمكن أن تكون بداية حياة من نجاح وتطور حين يتجاوز الانسان معوقاته الفردية والنفسية ويبذل كل طاقاته لتطوير ذاته ورؤية الحياة بالمنظور الانساني لا الإقليمي إلى أن يتمكن من العودة لوطن يحتويه ويلبي إحتياجاته الانسانية وأولها الكرامة والمحبة وأن الغربة الحقيقية قد تكون قسوة القلوب لا غربة الأرض.

الرواية تبحث في المسار الحضاري وفي إيجاد أرضية مشتركة ما بين الغرب والشرق بطريقة عصرية تؤكد لنا أن هناك فرق بين من يعيش وبين من يكتب ، وبين من يحمل خبرات الحياة ويقدمها في سياق روائي وبين من يقرأ ليثرى حياته ويمد في روحه جسورا من الأمل بواقع أفضل .

ومن أجواء الرواية التي جاءت في 350 صفحة نقتطف :' لهذا أرسم هذه اللوحات الغريبة ، لا أرسمها لأحد ، أرسمها لنفسي لأرى شكلا خارجيا لمشاعري فهذا يريحني ويحررني من ثقل المشاعر التي لم تهدأ ولن تهدأ لذلك يمكنني فهم ما تشعر به حتى ولو كنت أنتمي لثقافة تختلف عن ثقافتك ، فبداخل كل منا معاناة ما ، قضية ما ، لا أن تأخذ طريقها للوجود الخارجي ، قد يكون ذلك عبر الدموع ، عبر اليأس ، عبر التمرد ولكن بحالتك وحالتي كان ذلك عبر الفن' .


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة