الأربعاء 2024-12-11 06:50 م
 

شخصيات في الحراك

10:17 ص

في الحب لا تحدث القبلة مباشرة، ثمة مقدمات..أولها الإبتسامات ثم الغمزة وبعد ذلك تأتي رسائل الغرام، ثم اللقاء الأول وقد تحدث القبلة بعد فترة طويلة من الزمن.اضافة اعلان

والوقوف على المنبر أيضا لا يتم مباشرة، عليك أولا أن تحضر ما يقارب (الخمسين) خطبة دينية، ومن ثم تقرأ ما تيسر من الكتب وتحضر دروسا دينية..وحين يسعفك الحظ ذات يوم ويغيب الخطيب من الممكن أن تصعد إلى المنبر وتلقي خطبة على عجل.
في عملية الزواج أيضا هناك مراحل مضنية ومتعددة، عليك أولا أن تذهب لوالد (العروس) وحين يسألك عن الدخان والخمر تقول له :- (أعوذ بالله عمي)...وعليك أن تكذب بطريقة تجعل (الجماعة) يصدقونك..ومن ثم تتودد للعروس...وتشعرها بالغرام، وبعد ذلك تبدأ زيارات الأهل ومن ثم يتم السؤال عنك وعن أخلاقك، وبالطبع يصل لطرف أهل العروس بعض (السواليف المشينة) وتنكرها....جملة وتفصيلا، وبعد ذلك يتم القبول.
كل شيء في الحياة يحتاج لتدرج، والتدرج يعطيك نضوجا...
الغريب أن الحراكات في الأردن هي الوحيدة التي شذت عن قاعدة التطور الطبيعي للأشياء...فأنت حين تريد أن تصبح معارضا عليك ان تبدأ بنقد الوضع العام ومن ثم تنتقل لشن هجوم على مدير الناحية أو المتصرف وبعد ذلك تنتقل للحلقة الاوسع وهي وزير الداخلية....وبعد ذلك تنتقل للتعليق على المواقع بالاسم الصريح، ومن ثم تقرأ بعضا من كتب (ماركس)..وربما (ميشيل عفلق) وتحفظ مجموعة من قصائد (مظفر النواب)..وتشارك في مجموعة من المسيرات وتتعلم الهتافات ومن ثم تبدأ بنقد الحكومة....
لكن في الحراكات ما يحدث أنك تشاهد (بنشرجي) يبدأ مباشرة بالحديث عن النظام السياسي ويتجاوز التطور الموضوعي للاشياء...ومن الممكن أن تجد أحد المتورطين بالشيكات ينتقد النظام القضائي ويحمل المنظومة السياسية المسؤولية....ومن الممكن أن تجد عاشقا مبتدئا تورط مع أشقاء العشيقة..ويحمل المسؤولية لأجهزة الدولة...ومن الممكن أن تجد نموذجا اخرا (لقطيف ورد)...يتحدث عن (التكنوقراط) ويتهمهم بتدمير الوطن.
في الحراكات علينا أن نتعلم من العشاق كيفية الحصول على القبلة الأولى علينا أن نمر بمراحل النضوج والتطور التي تأهلنا لنقد المنظومة السياسية..ولكن ما يحدث أن الحراك في الاردن اصبح يفرز(اناسا) قفزوا عن المراحل كلها وتجاوزوا كل درجات السلم وصعدوا مباشرة للمنابر دون أن يكون لديهم خلفية مناسبة أو معرفة....
أنا لا أعمم ولكن لنعترف أن الحراك في الأردن أنتج نخبا وشبابا تمتلك وعيا هائلا وبالمقابل منح الفرصة لمجموعات من (السحيجة والأميين) كي يقفزوا مباشرة....عن كل درجات السلم لنقد النظام.
أحيانا تنتج الثورات ومعاقل الرفض جهلاً...أكثر من إنتاجها الوعي.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة