الجمعة 2024-12-13 07:32 م
 

شكراً للمتنبي على أذواقه

01:51 م

الوكيل - د. كامل جميل ولويل- لقد قرأت في بعض كتب اللغة ان الحمد يكون ابتداء أي ان تحمد فلانا من الناس لانه شخصية طيبة تحمده بدءا من نفسك علم الممدوح ام لم يعلم، ولكن الشكر لا يأتي الا رداً على معروف او عمل تفضل به احد على احد، ان المسلم يحمد الله لانه يجله ويعظمه، ويشكر الله على انه شفى ولده من مرض ما، واشكر هنا المتنبي لانه فيما وجدت قدم اشعارا جميلة ممتعة، فقدم الي ذوقه بصورة شعرية راقية، وما أكثر ما قرأت ان المتنبي مداح لانه طامع بولاية ولم يستطع ان يحصل عليها فيما يزعمون، ولا اظن ان ما قالوه حق، فهو يتمتع بكبرياء نادرة لا تسمح له بالتسول او المدح للتسول، أليس هو القائل: وكلما خلق الله وما لم يخلق محتقر في همتي كشعرةٍ في مفرقي؟.اضافة اعلان

أليس هو القائل: تغرّب لا مستعظما غير نفسه ولا قابلا إلا لخالقه حكما؟
ان شكري او شكر غيري ليس لهذا الموقف، بل لهذا الجمال اللغوي الذي وظفه المتنبي في شعره، فمدح عن قدرة لغوية رائعة، ومدح عن تقدير لابطال عظماء قاتلوا للحفاظ على دولتهم الاسلامية من طمع الروم او غير الروم، قال يصف سيف الدولة الحمداني:
يهزُ الجيش حولك جانبيه: كما نفضت جناحيها العقابُ
اشكره على وصف جيش سيف الدولة ووصفه قائد ذلك الجيش وهو سيف الدولة اشكره واقول: لقد اعجبنا بسعد الدين الشاذلي في حربه التي انتصر فيها على اسرائيل عام 1973م في الجبهة المصرية، ولماذا لا نعجب وقد رفع نفوسنا واعطاها حلاوة بعد مرارة وسقم.
انه معجب برجل يقود امة بنفسه وينتصر، ترى بعض اللغويين يعلق على البيت وكأنه ينقل حجارة من مكان قريب الى مكان بعيد، يقولون: اخر الفاعل وهو كلمة (العقابُ) وقدم المفعول به وهو (جناحيها)، ذلك ذوقه الذي تسعفه فيه اللغة، انه في هذا البيت او غيره يحافظ على موسيقى الشعر، ثم انه رأى صورة الجناحين وهما جانبا الجيش ينتشران في جبال تركيا وهضابها فقدم في اللغة واخّر وفقا لرؤيته وذوقه، وتعمق الرؤية والذوق.
ولقد لفتت انتباهي حكاية القاضي ابي بكر العربي الذي كان في الاندلس وسمع عن بعض قضايا المشرق في عهده فجاء ليدرس ويسهم مع اهل القضاء والحل، ثم عطبت سفينته وتحطمت في عرض البحر، وقذفه الموج بعيدا بعض الشيء عن الاسكندرية، مشى في الصحراء ليجد شيئا يؤنسه فرأى خيمة من بعد، واذ توجه اليها وجد بعض الناس يلتفون حول اميرهم ويتسامرون، فقالوا له اعندك شيء؟ فطرح عليهم بيتا جميلا للمتنبي، شغل به القوم وكان له اثر في عونه على السفر، قال ماذا ترون في هذا البيت: (وأحلى الهوى ما شك في الوصل ربه وفي البحر فهو الدهر، يرجو ويتقي)؟ منهم من قال كيف يخاطب ربه بهذا؟ ومنهم.. ومنهم، واشكره على هذا الجمال الشعري، واشعر اني اهوى هذا الرجل، على ذوقه وتصرفه واقول: (بادٍ هواك أصَبرت أمْ لم تصبرا وبكاك ان لم يجر دمعك ام جرى) ونعم الهوى.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة