الشارع الأردني الذي طالما تحدث عنه الساسة باعتباره الأغلبية الصامتة لم يعد كذلك، فقد أخذ زمام المبادرة وخرج على صمته وتحول إلى لاعب سياسي مؤثر وفاعل يستمع له الجميع ويحسبون له ألف حساب. الشباب الأردني الذي ظل متفرجا غير مبال أصبح شريكا فاعلا في الحياة العامة ومراقبا للقرارات والسياسات التي تؤثر على واقعه من دون أن يكترث أو يأبه لوجود نواب أو ممثلين له، فهو لم يعد يثق بمن كانوا يتحدثون باسمه ولا يريد أن يبقى صامتا ومتفرجا، كما أنه سئم وصفه من قبل اللاعبين الرئيسين بالأغلبية الصامتة، فقد اختار أن يصرخ بأعلى صوته وأن يقول كل ما يدور في خلده وأن يزلزل الأرض تحت أقدام كل من يزور إرادته أو يتحدث باسمه من دون أن يدرك همومه ومعاناته. من اليوم لا يريد الشارع أن يمتثل للصورة النمطية التي عرفناه بها فقد تحول الى مارد عملاق يهابه الجميع.
قد تكون المرة الأولى في تاريخ الشباب الذين لم تتجاوز أعمارهم الثلاثين، لكنها المرة الثالثة في تاريخ الأردن التي تتدخل فيها الجماهير لتغيير مسار الأحداث والتأثير على القرار السياسي. المرة الأولى التي خرجت فيها الجماهير للشارع للاحتجاج كانت في خمسينيات القرن الماضي؛ حيث أسهموا في إسقاط الحكومة حديثة التشكيل. أما الثانية فقد حدثت في رمضان من العام 1989 عندما اجتاحت الاحتجاجات الشعبية ساحات وشوارع مدن الجنوب على إثر إقدام حكومة الرئيس زيد الرفاعي على رفع الأسعار، ما أدى الى إقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة عملت على امتصاص الغضب الشعبي وهيأت الأجواء لإجراء انتخابات برلمانية أفرزت أحد أهم وأقوى المجالس في تاريخ الحياة البرلمانية الأردنية.
في هذه المرة، كانت الأوضاع مختلفة؛ فالأردنيون منشغلون في كسب قوتهم وإيجاد الحلول لمجابهة تنامي تكاليف وأعباء الحياة بعد أن لم يعد بمقدور غالبيتهم توفير المستوى اللائق لأسرته. في وسط انشغالاتهم تتابعت قرارات الرفع والتسعير التي طالت الخبز والوقود ومئات السلع والخدمات، الأمر الذي أصاب الناس بالذهول قبل أن يسمعوا عن مشروع قانون ضريبة الدخل الذي سيوسع دائرة المكلفين ويلزم الجميع بتقديم إقرار ضريبي تحت طائلة المسؤولية.
نزول المواطنين الى الشارع كان خيارا لا بديل عنه بعد أن فقد الناس ثقتهم بمجلس النواب واعتادوا على ليونة المجلس واستعداد الأعضاء الى التعاون مع الحكومة على تمرير ما تريد من دون العودة الى القواعد الانتخابية أو المبالاة والاهتمام لما يعانيه الناس من جراء المشكلات والأزمات التي تعاظم تأثيرها على حياة الأفراد والأسر وعلى قرارات الكثيرين المتعلقة بالهجرة والبحث عن أماكن وبلدان أخرى لتنشئة أسرهم وتوفير مستوى حياة كريم وآمن لها.
الشارع الأردني أدهش الجميع، فقد تابع العالم موجة الاحتجاجات وأسلوب التعاطي معها بالكثير من التقدير والإعجاب. الصدق والموضوعية ووحدة المشاعر ومستوى الالتزام الذي تحلت به الجماهير كان لافتا. خروج الجماهير بدا عفويا وسريعا وعلى إثر الإعلان عن رفع أسعار المشتقات النفطية التي يشكك الناس في موضوعيتها. خلافا للكثير من الاحتجاجات التي تجري في مجتمعات العالم الثالث، كان الجمهور منضبطا وحريصا وملتزما بسلمية الاحتجاج وشريكا في الحفاظ على أمن المرافق والمنشآت ومتجنبا الصدام مع الأجهزة الأمنية ومبدعا في ترطيب وتبريد المواقف التي يشتد فيها الاحتكاك وينذر يالخطر.
الهتاف المتكرر بسلمية الحراك والقفزات الصغيرة التي يقوم بها المتظاهرون كانت وسيلة مهمة في الحفاظ على نشاط واستمرارية الحراك من دون حدوث صدامات تجهض مسيرته. التناغم والانسجام والحس الوطني الذي عبر عنه الآلاف ممن خرجوا الى الشوارع والساحات والميادين. والمرونة التي تحلى بها المتظاهرون والدولة، رسما صورة حضارية للأردن أكسبت النظام والشعب تقديرا عربيا ودوليا وأضافت الكثير من الدروس الى أدبيات التظاهر والاحتجاج.
القراءة الدقيقة لما جرى يمكن أن تقود الى وجود تغيرات عميقة في الوعي المجتمعي ومهارة الأجهزة ومرونة الدولة في التعاطي مع مثل هذه الأحداث، ما يمهد الطريق أمام إصلاحات عميقة ويبدد مخاوف وتحفظات البعض التي أدت الى تأخير السير في الإصلاح بحجة الخوف من القفز في المجهول.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو