الوكيل - من الطاهر الطويل: يزاوج الفنان المغربي عفيف بناني بين التشكيل كممارسة إبداعية وبين الكتابة عنه كبحث وتنظير وتأملات فكرية، مساهمة منه في إثراء رصيد المكتبة المغربية في هذا المجال. وهكذا، فبالإضافة إلى حضوره المميز بلوحاته التي جابت آفاقا مختلفة داخل المغرب وخارجه وأهلته لنيل جوائز هامة، أصدر عفيف كتابين هما: ‘الرسم من القرن التاسع عشر إلى عام 1945′ (2006) و’معجم الفنون التشكيلية’ (2009)، وأضاف إليهما حديثا كتابا يحمل عنوان ‘تأملات تشكيلية’ (Maximes Plastiques).
يقع الكتاب في 140 صفحة من القطع المتوسط وتتخلله صور لوحات للفنان نفسه. ومثلما يشير الناقد الفني الفرنسي دانييل كوتوريي في المقدمة، فإن هذا الكتاب الجديد ذو بعد بيداغوجي، يطرح مقولات مركزة تتعدى الحدود الوطنية لتلامس ما هو كوني.
يخصص الكاتب صفحات لبسط تصوراته حول الفن وأدواره، فيقول إن الفن عنصر أساس في قدر الإنسانية، كما أنه يلعب دورا أساسيا في حماية الحياة، وأنه تعبير ذو حمولة معرفية، تقف سدا منيعا ضد كل نزعة عدوانية. ويضيف قوله إن الفن يلعب دورا هاما في تمتين العلاقات ما بين الأفراد والشعوب، باعتباره ذا طبيعة كونية، لا ينتمي لشخص بعينه، تماما مثلما أن الفنان ملك للجميع. الفن مدخل أساس للجمال، إنه يساعدنا على أن نكون نحن أنفسنا مبدعين بطريقة ما. ومن ثم، فالفن الحق يستعصي على أي تقييم مادي، إنه المتعة والإحساس الذي يتولد عنه، وليس المال والاستثمار المادي.
ويعتبر مؤلف الكتاب أن الرؤية الفنية الصادقة هي التي تخرج من القلب، كما أن الفنان الطلائعي الحقيقي هو الذي يكون قادرا على اقتناص حالات نفسية وروحية عابرة؛ وهو أيضا من يمتلك رؤية متجهة نحو المستقبل، رؤية قد تجعله غير مفهوم وأحيانا مرفوضا، لأنه بكل بساطة يكون سابقا على زمانه ووقته.
ويؤكد عفيف بناني أن الفنان الحقيقي لا يمكن أن يكون مطالبا بمسايرة الموضة أو التيار لينال إعجاب الآخرين. إذا فعل ذلك فهو ليس فنانا، بل انتهازي ووصولي ومتاجر بالفن. ويشير الكاتب إلى أن أكبر خطأ يمكن أن يرتكبه فنان يتمثل في مجاراة المتلقي ومحاولة استمالته لنيل إعجابه بشكل سريع؛ مشددا على أن الجمهور الحقيقي هو الذي سيكون على المدى البعيد.
وبالنسبة للكاتب نفسه، فاللوحة الحقيقية تغني عن أي تعليق أو خطاب مواز، ويراها المتلقي بقلبه وليس بعينيه، فالقلب لا يخطئ. ثم يتحدث عن كيفية التعامل مع اللوحة التشكيلية من خلال التعمق في تفاصيلها الدقيقة وأسرارها العميقة، ويبرز أهميتها وخصوصيتها وكيفية انبنائها.
ويتابع قوله إن الرسم يتطلب كثيرا من الصبر، فهو ليس عملا آليا، إنه عطاء إلهي ممنوح من طرف الخالق لنخبة معينة، يتعين عليها عدم استنساخ الواقع وعدم إعادة إنتاج الأشياء وإنما النفاذ إلى عمقها. الرسام الحقيقي هو الذي يتحرر من كل ما هو متصنع وظرفي، ليثبت بالفعل أنه حر في قراراته واختياراته.
ويرى أن اللوحة لا تكون مكتملة أبداً، فالفنان يتركها في مرسمه ليعود إليه حين يشاء، بخلاف الكتاب الذي لا يمكن تعديله بمجرد نشره. ويقول أيضا: ‘الرسم يعمل على تنمية المخيال، فحينما يشاهد المتلقي لوحة ما فإنه يتخيل إحساس الفنان وحالته النفسية، وبالتالي فاللوحة قد تقود إلى كتابة فصول حول دلالات لوحة ما انطلاقا من مخيلة المتلقي. بيد أنه لا يمكن تقييم لوحة ما أو تجربة تشكيلية معينة إذا لم نكن ملمين بتاريخ الفن التشكيلي وبموقع الفنان في زمانه وفي المدارس التشكيلية والتجارب النظرية. إن المتعة الجمالية المتحققة من عمل تشكيلي ما تمر عبر إغناء المعارف المتوفرة وعبر الخزان المعرفي المرتبط بالتاريخ وبالأسفار وكل ما نقرأ ونشاهد ونختزنه طيلة وجودنا. الرسم يثير استفهامات ويعبر عن انفعالات ويثير الفضول. ليس المهم معرفة ما إذا كان هذا العمل جميلا أم لا بقدر ما المهم هو متعة الوقوف أمام هذا الإبداع الإنساني.’
ويعتبر الكاتب أن الرسم أحسن ملجأ للفنان خلال لحظات الشك والقلق والسوداوية، إذ يصبح صديقه العزيز الذي يرافقه ويدعمه ويواسيه. وعلى المستوى الشخصي، يمثل الرسم بالنسبة له وسيلة لتجاوز حالات قلق التي قد تلم به، ويجعله ينسى العالم المحيط به.
ثم يتحدث عن تجربته التشكيلية الخاصة، متوقف عند افتتانه بعالم القصبات، التي يرسمها لينقل ما ليس مرئيا، أي شموخها تاريخها واستمراريتها. وتعترف أنه لا يكون راضيا تمام الرضى عن أعماله، وهذا شيء إيجابي، لأنه يدفعه إلى مواصلة التفكير والبحث، بمنتهى العشق والصمت في الآن نفسه. كما أنه يجد متعته في التنويع الإبداعي، تنويع الأشياء لإيصالها إلى الناس لكي يقاسموه حالاته الشعورية.
وينتقد عفيف بناني الطريقة التي يلجأ إليها البعض لفرض أنفسهم، من خلال استفزاز الجمهور وتعنيفه عن طريق الهوس بتجاوز الحدود أو اختراق التابوهات. ولكنه في المقابل يدافع عن الفنانين التشكيليين الشباب، ويتساءل عن الوضعية التي يمكن أن يحتلوها في المجتمع. ويتطرق كذلك إلى المعارض والأروقة ومدى تأثرها بالتطورات الحاصلة في عالم وسائل الاتصال. كما يعيب على الساحة النقدية كونها صارت أشبه بكوميديا سوداء نتيجة وجود أشباه النقاد. وبذات الرؤية النقدية، يقول الكاتب: هناك اليوم مهرجانات فنية كثيرة، ولكن معظمها يكتفي بالقشور ولا ينفذ إلى العمق.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو