الأربعاء 2024-12-11 05:39 م
 

فاتكم القطار!

08:54 ص

أهم ما يعنينا في مقابلة توماس فريدمان مع الرئيس باراك أوباما (المطولة والمنشورة في صحيفة 'نيويورك تايمز' قبل أيام قليلة)، ليس موقف الإدارة الأميركية من إيران، بل ما هو أهم من ذلك؛ رؤيتها للأنظمة والمجتمعات العربية، ومدى قدرة هذه الأنظمة على أن تبقى حليفاً للولايات المتحدة في المرحلة المقبلة. فهذا هو الشطر المسكوت عنه عربياً في التحول الأميركي، بالرغم من صدور إشارات متعددة وكثيرة من أوباما ومن مراكز التفكير، في الاتجاه نفسه.اضافة اعلان

لا نتحدث هنا عن 'موقف' لأوباما من الأنظمة العربية، بل عمّا هو أهم من ذلك؛ عن 'رؤية' أو مقاربة لأوضاع الأنظمة والمجتمعات العربية. فربما ما يزال الموقف الرسمي الأميركي، بالرغم من 'الصفقة النووية' مع إيران، تجاه الأنظمة العربية ثابتاً، من الزاوية الشكلية، أي الدعم والمساندة. وقد تقنع الإدارة الأميركية الأنظمة العربية بأنّ هذا الاتفاق لن يضر بمصالحها ولن يكون على حسابها. لكنّ الرؤية الأميركية للأنظمة ومستقبلها، وقدرتها على مواجهة التحديات القائمة، هي التي تغيّرت، وهي التي ستؤدي، الآن أو عاجلاً أم آجلاً، إلى تغييرات جذرية في السياسة الأميركية تجاه هذه الأنظمة. فالصفقة التاريخية بين الأنظمة الأوتوقراطية الفاسدة والإدارات الأميركية فاتها القطار.
في مقابلته مع فريدمان، يتحدث الرئيس بصراحة، للمرة الأولى، واصفاً الأنظمة العربية بالسُنيّة، بما يكرس البعد الطائفي في النظرة الأميركية للمنطقة. وهو يقول، بصراحة أيضا، إنّ مصدر التهديد الأكبر لهذه الأنظمة ليس النفوذ الإيراني الذي يريد العرب أن يحمّلوه مسؤولية أزماتهم البنيوية والداخلية، بل الوضع الداخلي في هذه الدول هو المصدر الأول لتهديد استقرار هذه الأنظمة، بل والسلم الأهلي والمجتمعي الداخلي!
يتجاوز أوباما إطار المجاملات الدبلوماسية ليقول بصراحة 'يجب ألا تقع في فخ السماح لهم بإلقاء اللوم على إيران بسبب المشاكل التي يعانون منها. لقد كان المواطنون في بعض دول الخليج العربية مشاركين بشكل كبير في الحركات الجهادية السُنّية التي أدت إلى زعزعة الاستقرار'. هذه العبارة ليست عابرة سبيل في كلام أوباما، بل هي متدحرجة متسلسلة، لها جذور عميقة في تكريس التحولات الأميركية الأخيرة، التي بدأت منذ أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، ووصلت اليوم مع تنظيم 'داعش' إلى ذروتها، وهي أنّ التهديد الأول للمصالح الأميركية والغربية ليست إيران بل الحركات الأصولية السُنيّة حصرياً، وجزء كبير من أبناء هذه الحركات جاؤوا من الخليج العربي، ويمثلون امتداداً للتيار السلفي (بصيغته الجهادية)، الذي ينتشر ويحظى بحضور فاعل ورئيس في الخليج!
تذكرون عندما سئل أوباما في مقابلةٍ سابقة عن أيهما أخطر، التطرف السُنّي أم الشيعي؟ فأجاب بأنّ إيران يمكن أن تمسك بخيوط التطرف الشيعي، لكن المشكلة بالتطرف السُنّي المنفلت من عقاله، ولا يوجد ما يضبطه. وتذكرون، كذلك، بأنّ أوباما -في مقابلةٍ سابقةٍ أيضاً- أشار إلى أنّ بنية الأنظمة والدول التي تشكلت في المنطقة عقب الحرب العالمية الأولى ليست مستقرة ولا ثابتة، وأنّها معرضة للتغيير!
إلى ماذا نريد أن نصل من استدعاء هذه التحولات الجوهرية في الرؤية الأميركية للعرب؟ أنّ محاولات الأنظمة العربية الإبقاء على الصيغة الحالية من ديناميكية السياسات الداخلية والإقليمية والدولية، هي محاولات تهدر الوقت وتمعن في تأزيم الوضع العربي أكثر وأكثر، لأنّ هذا النظام فشل على الصعد السابقة كافّة، ولا تجدي محاولات الإنعاش ولا التمسّك بأوهام الثورة المضادة.
أي تفكير عربي جادّ، على مستوى دول أو دولة واحدة، بشأن المستقبل، لا بد أن يضع في اعتباره أنّ هناك معادلات جديدة تتشكل، وأنّ العناد في قراءة ما يحدث لن يؤدي إلاّ إلى مصير كارثي. وللحديث بقية.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة