الوكيل - في الخامس من الشهر الجاري (حزيران/يونيو) انطلقت الاحتفالات في الاوساط الاسبانية الثقافية في اقليم الاندلس على وجه الخصوص بالذكرى 115 لميلاد الشاعر الاسباني- الاندلسي الكبير فيدريكو غارسيا لوركا، اذ في هذا اليوم من عام 1898 كان قد ولد هذا الشاعر الذي يعتبره النقاد الاسبان وغير الاسبان من اكثر الشّعراء شعبية ومن اكبرهم تاثيرا في الادب الاسباني في القرن القرن العشرين.
هذا وقد تمّ الاحتفال بهذه الذكرى في مدينة ‘فوينتي باكيروس′ القريبة من غرناطة وبالضبط في مسقط رأس الشاعر وهو المنزل الذي اصبح اليوم متحفا له ولكافة اعماله الابداعية على اختلافها. وقد انطلق الاحتفال بالعزف على نفس البيانو الذي كان يملكه الشاعر من طرف انطونيو كاماريرو، وهو احد امهر العازفين الاسبان على البيانو مع قراءة لبعض قصائد لوركا المعروفة، وبمشاركة عدّة شعراء اسبان اخرين في مقدّمتهم الشاعر انطونيو كاربخال الحائز على الجائزة الوطنية الاسبانية للشّعر. هذا كما تمّ بهذه المناسبة عرض بعض المخطوطات الشعرية الاصلية القديمة للوركا، وبعض صوره، ورسوماته، ورسائله، واثاره ومخلّفاته.
وفي نيويورك كذلك بمقرّ المكتبة العمومية لهذه المدينة احيت الاوساط الثقافية التي تعنى باللغة الاسبانية وادابها هذه الذكرى تكريما للشاعر فيدريكو غارسيا لوركا الذي خلّد هذه المدينة العملاقة في ديوانه الشهير ‘شاعر في نيويورك ‘(انظر مقالي في ‘القدس العربي’ بتاريخ 18-2-2013 حول هذا الموضوع تحت عنوان’ غارسيّا لوركا يعود لمدينة ناطحات السّحاب من جديد). قال لوركا في قصيدة (وداع) :’ اذا متّ فاتركوا باب الشّرفة مفتوحا…’ وخلال احياء هذه الذكرى في الخامس من حزيران/يونيو الجاري كان باب الشرفة مفتوحا كما اراد ذلك الشاعر الرّاحل،ومن المثقّفين الذين شاركوا في هذه التظاهرة الشعرية المؤثّرة من الامريكيين الشعراء:’جون جيورنو’ و’ترايسي. ك، سميث’ والمغنّية ‘باتي سميث’، هذا فضلا عن مشاركة احدى قريبات لوركا وهي ‘ لاورا غارسيا لوركا’ في هذا التكريم بقراءة بعض قصائده التي كتبها خلال اقامته في نيويورك، بالاضافة الى مثقفين وشعراء امريكيين اخرين.
وبتعاون بين ‘مؤسّسة فدريكوغارسيا لوركا’ و’المكتبة العمومية لمدينة نيويورك’ يتمّ في الوقت الرّاهن تنظيم معرض كبير في الفترة المتراوحة بين (5 ابريل و21 يونيو 2013) حول مخطوط ديوان ‘شاعر في نيويورك’ الذي كتبه لوركا خلال اقامته بهذه المدينة العملاقة، بالاضافة الى عرض المخطوط الاصلي االنادرلاوّل مرّة لهذا الديوان امام الجمهور، يتمّ كذلك تسليط الاضواء على اصول مخطوطات بعض الرسائل التي كتبها الشاعر الغرناطي خلال رحلته لكل من نيويورك وكوبا، بالاضافة الى العديد من الانشطة والتظاهرات الثقافية والفنية الموازية في مختلف مجلالات الخلق والابداع بمشاركة كبريات الجامعات مثل ‘جامعة كولومبيا الامريكية’ وسواها من المعاهد العليا والمؤسسات الثقافية الاخرى الاسبانية والامريكية.
شاعر في نيويورك
هو عنوان الديوان الشهيرالذي كتبه فدريكوغارسيا لوركا خلال وجوده بجامعة ‘كولومبيا الامريكية’ بنيويورك (1929-1930) ثم خلال سفره الى كوبا بعد ذلك، وقد نشر هذا الديوان لاوّل مرّة عام 1940 ايّ 4 سنوات بعد مصرع الشاعر. وكان لوركا قد غادر اسبانيا 1929 ليلقي بعض المحاضرات في كوبا ونيويورك، وان كان سبب هذه الرحلة في العمق هو هروبه وابتعاده عن جوّ المهاترات والمشاحنات والبغضاء الذي اصبح سائدا في الوسط الدراسي بمدريد، حيث اصيب لوركا من جرّاء ذلك بكابة شديدة، وحزن عميق، وقد كان للمجتمع الامريكي تأثير بليغ في الشاعر، الذي احسّ بنفور كبير من الرأسمالية والتصنيع المبالغ فيه، كما انه شعر باشمئزاز بليغ من المعاملة التي كان يوسم بها الامريكان البيض الاقليّة من السّود، لقد كان هذا الديوان صرخة مدويّة ضد الرّعب، للتنديد بالظلم والتمييز العنصري في هذا المجتمع الغارق في التصنيع، والاغتراب القاتل للجنس البشري، والمناشدة بضرورة احترام البعد الانساني للبشر، وصون حقوق الانسان، وسيادة الحرية والعدالة والحبّ والجمال، وربّما هذا ما حدا بالنقّاد الى اعتبار هذا الديوان من اهمّ الاعمال الشعرية التي ظهرت وواكبت عصر التحوّل الاقتصادي، والتطوّر الاجتماعي ،والنموّ الديموغرافي بطريقة لم تعرفها البشرية من قبل.
المخطوط الاوّل والاصلي الوحيد لهذا الديوان يتألّف من 96 صفحة مكتوبة على الالة الراقنة ،بالاضافة الى 26 صفحة مكتوبة بخطّ اليد، لقد هاجر هذا المخطوط مع الاديب والناشر الاسباني’خوسّيه بيرغامين’ (الذي كان لوركا قد سلّمة المخطوط لنشره) الى فرنسا في المقام الاوّل، ثمّ في مرحلة اخرى الى المكسيك، (حيث نشرت الطبعة الاولى منه عام 1940 في كل من المكسيك والولايات المتحدة الامريكية، وقد ترجمه انذاك الى اللغة الانجليزية ‘رولف هومفريس′، وظلّ المخطوط في النّصف الثاني من القرن العشرين متخفيّا ينتقل من يد الى يد حتى وقع عام 1999 في يد الممثلة الاسبانية ‘مانويلا ساهافيدرا’ وفي عام 2003 امكن لـ ‘ مؤسّسة غارسيا لوركا’ استعادة هذا المخطوط بعد اقتنائه في احد المزادات العلنية، ثم اشترته اخيرا وزارة الثقافة الاسبانية عام 2007، من القصائد التي يتضمّنها الديوان:’السّماء الحيّة’،و’البانوراما العمياء لنيويورك”، و’الموت’، و’غنائية الحمام’، (التي اصبحت فيما بعد تحمل اسم ‘قصيدة الحمائم الحالكة)، و’قصيدة الثور والياسمين’، (التي اصبحت فيما بعد تحمل عنوان ‘قصيدة الحلم في الهواء الطلق’، و’ارض وقمر’، وسواها، وبعض هذه القصائد مدرجة كذلك في كتاب لوركا الذي يحمل عنوان: ‘ديوان تماريت’، (كذا)، ايّ باستعمال كلمة (ديوان ) كما تنطق وتستعمل في اللغة العربية الى اليوم.
رفائيل البرتي ومصرع لوركا
كان الشّاعرالاندلسي الكبير ‘رفائيل البرتي’ قد كشف النقاب قبيل رحيله عن تفاصيل مصرع لوركا ،و كيف انّه واجه الموت بشجاعة وصلابة، يقول في هذا الخصوص: انّ طبيبا اسبانيا يدعى ‘فرانسيسكو فيغا دياث’ كان شاهد عيان في مقتل الشاعر لوركا، قد حكى قصّة بهذا الشان ردّدها له سائق التاكسي الذي قاد لوركا، الى جانب معتقل اخر وثلاثة من العساكر الذين ينتمون الى الحرس المدني. انّ الطريقة التي قتل بها لوركا كانت حتى الان لغزا محيّرا، وقد اعطيت تفسيرات مختلفة حول هذا الامر، وحسب’ فيغا دياث ‘ فانّ سائق التاكسي كان قد زاره في عيادته في 13اب 1936.
الاحداث وقعت في الليل، وقد تعرّف سائق التاكسي على واحد من اثنين تمّ القبض عليهما وهوالشاعر الغرناطي بواسطة الكشّافات التي اوقدها الحرّاس للقيام بعملية الاغتيال، وكان غارسيا لوركا قد سافر من مدريد الى مسقط راسه غرناطة اذ ـ حسب الشاعر البرتي – كان لوركا يعتقد انّه في ارضه سيكون في مامن من الخطر. واضاف: ‘انّ لوركا كان يغشاه خوف الاطفال، وكان يعتقد انّه في غرناطة لن يحدث له شيء’ فركب القطار اليها ،الا ان الموت فاجاه هناك، فكلّ منا يحمل موته معه ‘.ولقد سمع سائق التاكسي الشّاعر لوركا يقول لقتلته : ماذا فعلت حتى تعاملوني هكذا ..؟ ثم القى الحراس بعد ذلك بلوركا والشخص الذي كان معه – كان مسنّا واعرج ـ داخل حفرة منخفضة، فعمل الشاعر على مساعدة زميله على الوقوف ممّا زاد في حنق الحرّاس حيث ضربه احدهم بمؤخّرة سلاحه وشجّ به امّ راسه، ثم بدا القتلة يشتمون الشاعر ويرمونه باحطّ النعوت، وطفقوا بعد ذلك في اطلاق النار عليه على الفور.واكّد السّائق انّ اثنين من مصارعي الثيران، وعشرة من الاشخاص الاخرين قد قتلوا كذلك في تلك الليلة نفسها.
وتشيرالكاتبة والناقدة المكسيكية ‘ايرما فوينتيس′ معلقة على ذلك: ‘انّ الشّعراء مثل الابطال والانهار يطبعون شعوبهم بطابعهم ويجعلون شعبهم يختلف عن الشعوب الاخرى، فالشّعراء يتركون في العالم ضوءا مشعّا متعدّد الالوان، يجعلون الرّجال يجتمعون ويتوحّدون رغم تباين اجناسهم وثقافتهم، والخلافات الايد يولوجية، والسياسية، والمشاحنات والمشاكسات التي قد تنشب بينهم، وقد تصل حدّ الحروب والمواجهة. فكلّ شاعر من هؤلا ء بغضّ النظر عن الزمن الذي يولد فيه، يصبح بمثابة ‘معزف’ كوني متعدّد الاوتار، وان اختلفت انغامه فهو يعزف لحنا واحدا يعظمه كل موجود حيّ في ايّ صقع من اصقاع العالم’، وتضيف الناقدة: ‘وعليه فانّ فقدان ايّ شاعر لدى ايّ امة هو حدث تراجيدي يمسّ الانسانية جمعاء وليس رقعته الجغرافية وحسب، هذا على الرّغم من وجود شعراء اخرين كبار، وامّا اذا اغتيل شاعر فانّ الشعور بالمأساة يتفاقم ويزيد ويكون افدح’.
الوادي الكبير
من ذا الذي يمكنه ان يعوّضنا ما ضاع مع الشاعر، بدا غارسيا لوركا قرض الشّعر في العشرين من عمره واستمرّ في الكتابة حتى يوم اغتياله عام 1936 وقد خلف لنا عشرات من القصائد مبثوثة في العديد من دواوينه مثل ‘كتاب الاشعار’، و’قصائد غنائية’ ،و ‘القصائد الاولى’ ،و ‘اغاني الغجر الشعبية’، و’شاعر في نيويورك’ ،و’بكائية عن اغناسيو سانشيس ميخيّاس′ ثم كم من الدواوين كان يمكن ان تضاف الى هذه القائمة لو استمرت حياته على وتيرتها الطبيعية كيف ستكون اعماله الان..؟
قال لوركا عندما كان على بضع خطوات من نهر الوادي الكبير :
اصوات الموت دقّت، بالقرب من الوادي الكبير
اصوات قديمة طوّقت، صوت القرنفل الرجولي
ثلاث دقات دموية اصابته، ومات على جنب (*)
على الرغم من شغفه بالمسرح، فانه في حياته الاخيرة لم يتوقف عن نظم اشعاررقيقة مؤثّرة وحزينة، كانت الاندلس من ابرز علامات هذه الاشعار، ولقد كان لوركا مجدّدا وفريدا وطائرا غرّيدا في الشعر، كان من الطليعيين الى جانب بيكاسو في عالم الصور والتشكيل والرّسم حتى اصبح من اعظم شعراء هذا القرن.
امنية لم تتحقّق
هذا المبدع الذي احسّ بقرب نهايته كانت له مقدرة هائلة على التغنّي بالجمال وتجسيم الالم والمعاناة :
ما هو مال الشعراء، والاشياء الناعسة؟
التي لا يذكرها احد، اه يا شمس الاموال؟
ايّها الماء الزلال، والقمر الجديد
يا قلوب الاطفال وارواح الاحجار السذابية
انني اشعر اليوم في قلبي ارتجاج النجوم الغامض
وكلّ الورود ناصعة البياض كحسرتي
على اوراق احزانه، فوق لجج هموم بحره منذ الصّغر والى تلك المرثية التي كتبها عن احد اصدقائه من مصارعي الثيران كان لوركا دائم الحديث عن الموت في شعره :
فليمت قلبي وهو يغنّي في هدوء، عن السّماء الجريحة الزرقاء
ويقول مجيبا عن سؤال الصّغار :
امتلا قلبي الحريري بالاضواء، والنواقيس الضائعة
والزنابق والنحل، ساذهب بعيدا بعيدا
ما وراء تلك الجبال، ما وراء تلك البحار
قريبا من النجوم.
ثم نجده يطلب ما لم يمنحه ايّاه الزّمن حيث يقول في قصيدة اخرى :
خليلي اريد ان اموت، بريئا على سريري
الفولاذي اذا امكن، ذي الملاءات الهولندية
ولم تتحقق له هذه الامنية ، فقد مات لوركا مقتولا برصاص اعداء الشّعر، واعداء الحياة .
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو