الأربعاء 2024-12-11 06:37 م
 

فعض على شفته فقطعها!

01:00 م

تلوذ بنفسك ، لوهلة ، تشعر أن ثمة خيوطا متشابكة تربطك بما يحيط بك ، وشيئا فشيئا ، يهدأ ذهنك، كما الماء العكر ، الذي يتصفى شيئا فشيئا ، حتى تستقر الشوائب في القاع.اضافة اعلان


تشخص ببصرك إلى اللاشيء ، تستدعي يوما حافلا بالجري والشقاء والتعب متابعة وقائع «ربيع» مضمخ بالدم والقلق، تخربش على ورق الذهن بضعة خطوط ، تنقش صورة مرتجفة لروح قلقة ترنو لخلاص مؤجل ، ورحيل وشيك أو بعيد ، لا تدري ، تمتشق أبجدية تصهل في روحك ، أو لعلها تنتحب ، أو تتخضب بخفقات قلب مع وقف التنفيذ ، تتأرجح بين رجاء مغتسل بروحانية السحر ، وشهقات مكتومة مغبرة بتراب الجسد ، من أنت؟ وما تريد؟ وإلى أين تمضي؟.

لكم ترتجف هذه الأصابع وهي تحاول أن ترسل مكنونات روحك إلى القارىء ، تحسبها جيدا: بوحك محسوب عليك ، كما أنفاسك اللاهثة ، أتصمت؟ أم تقول ما لا يقال؟.

أين ينتهي البوح المباح وأين يبدأ التسارع إلى خطو مهتز على الصراط؟ لكأنك تتخيل خطواتك وهي تزل بها القدم فتهوي في غيابة اللهب ، ترتجف الأصابع فتصمت ، وتكف عن الخربشة ، وتصيخ السمع فتضج خفقات الفؤاد: ألسنا خطائين؟ ألم تبدأ الحياة على هذه الأرض عقابا على خطيئة؟ ألم ينزل أبوك وأمك من علياء الجنة؟ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا ممَّا كَانَا فيه وَقُلْنَا اهْبطُواْ بَعْضُكُمْ لًبَعْضْ عَدُوّ وَلَكُمْ فًي الأَرْض مُسْتَقَرّ وَمَتَاع إلى حينْ؟.

وكان هذا يوم جمعة كهذا اليوم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق الله آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ، وتعود من ضجيج النار وأهلها ، فتتنسم عبير السحر ، وتهفو إلى مناجاة خالصة خالية من غبار الأرض ولزوجة الطين ، يا لله كم تجد صعوبة في أن تخلص روحك مما هي فيه ، تستغفر ربك وتسبحه كثيرا ، وتهرع إلى مصحفك الصغير فتتأمل كلماته ، فتقر روحك القلقة قليلا ، وتعود إلى نقش كلماتك ، ولا تجد بدا من أن تكون أنت: قبضة من تراب ونفحة من روح ، أنت بكل ما فيك من شهوة ونجوى ، من طين وسمو ، من ملائكية ووسوسة ، أنت ببشريتك وتوقك إلى السماء ، فلتكن أنت ولتترك لقلبك أن يخفق كما يحلو له ، ولتترك لروحك المدى كي تحلق إلى الأعالي ، لتكن بشرا كامل النصاب: بترابك وروحانيتك ، فأنت لن تكون إلا ما جبلت عليه ، يجهدك العرق ، وتلهث روحك ، متأرجحة بين هذا وذاك ، فتصيخ السمع لنداء الطين ، ونجوى الروح ، تتعب ، وتشتد عليك وطأة السحر ، فتشخص ببصرك إليك ، وتجأر بشكوى مكلومة مكتومة: يا رب ، كن لي عونا ملاذا ، ألوذ بك منك، فلا منجى ولا مهرب منك إلا اليك ، يا رب ، تخرج من أعماقك ، يخضل فؤادك برعشة عصفور بلله رذاذ القطر ، ولا تدري لم تسرح مع «المجنون» وما حل به ، قال الرواة: فمرّ (المجنون) بزوج (ليلى) وهو جالس يصطلي في يوم شات ، وقد أتى ابن عمّ له في حيّ (المجنون) لحاجة ، فوقف عليه ثم انشد يقول: بربك هل ضممت إليك ليلى - قُبيل الصبح أو قبّلت فاها وهل رفّت عليك قرون ليلى - رفيف الأُقحوانة في نداها فقال: اللّهم إذا حلـّفتني فنعم ، فيقبض (المجنون) بكلتا يديه قبضتين من الجمر ، فما فارقهما حتى سقط مغشيا عليه ، وسقط الجمر مع لحم راحتيه ، وعض على شفته فقطعها!


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة