السبت 2024-12-14 12:06 ص
 

في عقولنا الشّفاء

03:47 م

لا نتحكّم في المشاعر الصّادقة التي تنبع من وجداننا ولكن نستطيع التحكّم بقراراتنا وأفعالنا وما تنسجه تصرفاتنا ، لربما تأتي المشاعر في الحبّ أو الكره دون أسباب موجبة لها ، ولربما احتوت على مبررات يقنع بها الإنسان نفسه ليرى بها مسوّغا لدوافعه ، وملجأ يحتمي به عند اشتداد الوطيس بمعركة الصّراع ليصل إلى مبتغاه بما يوما أراد تحقيقه ، بما ترويه الدّوافع والأهداف.

يأتي العقل ليقوم بعملية المعالجة والتحليل لهذه المشاعر التي باتت تسيطر على الجسد ، فإمّا النّجاة والإنتصار على الذّات ، أو الغرق في ظلام طغيان القلب والعصيان وهذا ما يحدث مع من يغترّ بمن حوله ، ومع من تصل به الأمور إلى حدّ تكذيب الواقع ليعيش بما يريد ، ليحقق لذاته مبتغاها ومطلبها ، ولكنّ الإنسان الرّشيد يحكّم عقله ويجعله القائد للطريق ، ويجعل منه معينا ونصيرا ليصل به إلى اليابسة حيث أوشك على الغرق في المحيط .

إنّ النّاجح في حياته هو من ينتصر على ذاته وأهوائه ، و إن الذي يبتغي الإنجاز عليه التفكير بمن حوله قبل التفكير بنفسه ، لأنّ الإنسان القويم لم يوجد في معزل وانغلاق عن الآخرين ، فمصلحة الجميع يعتبرها من ضمن أولوياته ويسعى إلى عيشهم بما يرى لهم فيها خيرا وسعادة ، ولا يفكّر بذاته فقط بل يتعدّى تفكيره هذه الحدود المرسومة في الذّاكرة لتمتد وتصل إلى محيط واسع من البشر ولربما وصل إلى البلدان والدويلات ليشكّل القارات العابرة التي تروي ما يريد ، حتى يصل بفكره إلى تحقيق الخير للبشرية جمعاء .

إن جعلنا العقل يتوافق مع القلب عندها سننعم بالرّاحة والأمان ، فليس ما نراه بمنظور واحد صحيح دوما، لذلك علينا التّمعن في الأفكار والمعتقدات ، والتدبر جيدا بما تحتويه الأذهان ، لأننا لا نريد إلا التّفوق والانتصار ، وما دون ذلك مرفوض وغير موجود في مقاييس العقلاء حيث الصّلاح والرّشاد ، والمسار الذي به بعدا عن التقليل والإنحناء ، فما زال البشر في عقولهم أصحّاء فإذا فقدوها جعلوا من أنفسهم سقماء ، فلماذا نسمح بالعلل والخلل أن يتوغّل في أجسادنا وممتلكاتنا وأفعالنا وتصرفاتنا وبلادنا وعالمنا الذي نعيش به ونحن ننعم بالسّعادة والسّرور ، فلماذا نريد أن نجعل من أنفسنا في الحزن عنوان ، فليس هذا بتصرف للحكماء .

بلادنا تحتاج إلى عقولنا وتحتاج إلى مسار صحيح نسير عليه ، لنصل إلى ضالة الطّريق بالتّقدم والإزدهار ، بعيدا عن العواطف والمشاعر ، فالقوانين تحتاج إلى أبعاد متعمّقة ، والقرارات تحتاج إلى نظرات متفحّصة ، فلنرتقي بذاتنا ، ولنعانق بأفعالنا ما فيه الخير لمجتمعنا وليس فقط لأنفسنا ، ولنبتعد عن أفكارنا الضّيقة التي تلامس احتياجاتنا فقط ، لنكون فاعلين بما أردنا ، صانعين للمجد والعزّة لمجتمعنا .

ليس النّجاح ما تحققه لنفسك فقط بل هو ما يتعدى ذلك ويصل بفائدته إلى الآخرين ، فالوطن يحتاج منّا التّضحية والبذل والعطاء ، وهي رسالة إلى كلّ المجتمعات باختلاف مواقعهم وما احتلّوا من مرتبات ، بأن يخلصوا لأنفسهم وللآخرين ، وأن يكونوا على قدر ما ألقي على عاتقهم من مسؤوليات ، وما حمّلو وكلّفوا من مهمات ، وأن يجعلوا الحلول موجودة لكلّ العقبات ؛ بالتفكير والإيجاد ،فلا سلبيات لأنّ حياتنا نستطيع جعلها إيجابيات ، ومهما بلغت المشكلات ففي عقولنا يكمن البرء ويوجد الشّفاء .

اضافة اعلان

بقلم : أحمد نضال عوّاد .

[email protected]


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة