الأربعاء 2024-12-11 10:44 م
 

في قاعة انتظار "عرّاف"

03:35 م

الوكيل - لم تكن تتصور، وهي الخريجة الجامعية، الواثقة بنفسها، أن الظروف ستصل بها الى البحث عن هذا 'المعالج الخارق'، طلبا لعلاج سحري لمشاكلها، وضياع فرصة الزواج منها. اضافة اعلان


كانت تهرول مع أمها سريعا، هربا وخجلا من أعين الناس، حيث شعرت أن الجميع يعرف أنها تبحث عن 'الشيخ' لحل مشكلة عنوستها!

رائدة (اسم مستعار)، شابة تجاوزت الثانية والثلاثين من عمرها بدون أن ترتبط بشريك العمر، حضرت مع والدتها من عمان الى إحدى قرى شمال إربد، لتعرض مشكلتها على شيخ خمسيني، ذاع صيته بأنه قادر على'حل المشاكل وفك الحجب، وتذليل الصعاب والحواجز' أمام من يعانيها.

رائدة واحدة من عشرات الفتيات ممن يقصدن هذا الشيخ لمعرفة أسباب 'وقف الحال' وعدم الزواج، وتقديم مساعدة 'خارقة' تزيل الغمة، وتفتح الطريق أمام عريس يخبئه القدر!

قاعة الانتظار، عبارة عن غرفة صالون في منزل الشيخ، المكون من طابقين، حيث امتلأت القاعة ظهرا بـ'المراجعين'، من مختلف الطبقات، رجالا ونساء وبعض أطفال صغار يرافقون كبارا، بعضهم جاء يبحث عن علاج لمرض أعياه، وآخر عن حل لمشكلة العقم، وأخرى عن فك عقدة لابنها العاطل عن العمل، ورابعة، كما الحال مع رائدة، جاءت تبحث عن حل لـ 'وقف الحال' واستعصاء العريس.

في غرفة الانتظار بادرت كاتبة التحقيق لسؤال رائدة التي تنتظر دورها للدخول على 'المعالج'، فسارعت للإجابة بحماسة 'هو من أفضل الشيوخ في المنطقة.. لقد استطاع فك السحر عن كثير من صديقاتي، وجعلهن جميلات في وجه كل من يراهن، وها هن الآن يعشن حياة جميلة مع أزواجهن، وقبل ذلك كانت حياتهن بائسة'.

وأضافت 'لقد زرته قبل أيام وأخبرني عن مشكلتي، وقد جئت اليوم لأخذ 'زجاجة الماء' وبقية الأشياء التي جهزها لي لأنفذ ما طلبه مني'. وختمت حديثها بالقول 'أرجوكي ادعيلي.. والله تعبت'.

البحث عن شريك العمر.. وأزمة العنوسة

معاناة رائدة وتعب الانتظار لشريك العمر هي معاناة نحو مائة ألف فتاة أردنية، لم يسبق لهن الزواج رغم بلوغهن عمر 30 سنة فأكثر، بحسب دراسة تحليلية لجمعية العفاف الخيرية صدرت العام 2009.

ساعة من الانتظار، جاء بعدها دور مندوبة 'الغد' للمثول أمام الشيخ، بعد أن انتحلت دور فتاة باحثة عن عريس، بعد أن أقفلت بوجهها الأبواب، رغم امتلاكها حظا من الجمال والعلم.

بعد الترحيب والحفاوة، بادر الشيخ للحديث في الحياة والسياسة وأوضاع البلد، ثم سألها عن عائلتها وطبيعة عملها ومكان سكناها، وبدا أنه يسعى للحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات عن مراجعته، فيما لم تغادر لسانه عبارات الصلاة على النبي والتوحيد.

'أمور الزواج تتعركس دائما في وجهي.. أشعر أن شيئا ما يحدث معي عندما يتقدم لي خطيب'، هكذا شكت للمعالج 'الخارق'.

لم يطل الأمر بالشيخ ليعطي تشخيصه لـ'الحالة'، السبب، باختصار، 'وجود قرينة لها تحاول 'عركسة' حالها وأمورها'.

وليحسم تشخيصه، بدا بقراءة آيات من القران الكريم، مضمنا إياها عبارات تحمل اسم الفتاة واسم أمها وغيرها من كلمات، وأمسك عصا بيده، قام بتمريرها على قدميها وكتفيها ومرر البخور فوق رأسها.
وخلص الى أنها تعاني من وجود 'عين' كبيرة، تخرب أمورها كافة، وأنها بحاجة إلى 'شغل' لكي تنفك هذه العين عنها!

قدم لها زجاجة تحمل سائلا مائيا، أحمر اللون، ادعى أنها مصنعة من المسك والزعفران وماء زمزم، ومطلوب منها أن تغتسل بها، كما وعدها بإعداد بعض الحجب (أوراق تحمل عبارات متداخلة)، لتضعها في مكان معين.
130 دينارا هو السعر الذي طلبه الشيخ لقاء علبة الماء والحجابين، لكن مع قليل من 'المفاصلة' والنقاش، خفضت السعر إلى 40 دينارا!

خرجت، تاركة خلفها العشرات من الفتيات وقد غصت بهن قاعة الانتظار على باب الشيخ، الذي يحمل لهن الوعد بالفرج وبقدوم العريس!

متعلمات لكنهن يبحثن عن حلول خارقة

استطلاع سريع لـ'الغد' لعشرات الآنسات، من مراجعي 'شيوخ حل المشاكل' أظهر أن أغلبهن فتيات متعلمات، يدركن حجم كل خطوة يقدمن عليها، لكن هدف البحث عن عريس، والحاجة لمعرفة أسباب وقف الحال، تتخطى بالنسبة لهن جميع حدود العلم والمعرفة والرضا بالنصيب.

ويرى متخصصون أنه كلما اشتد الخوف بفتيات من فوات الأوان وتخطي مرحلة الزواج، زادت حاجة اللجوء الى هؤلاء العرافين، أملا في مساعدة تفرج همهن، وتخرجهن من دائرة 'العنوسة' بوصفة سحرية، وتريحهن من سهام نظرات قاسية من حولهن.

في مكان آخر، بإحدى ضواحي عمان، لم تختلف الأمور كثيرا عن 'معالج إربد' باستثناء امتلاك هذا المعالج 'الخارق' لبطاقة 'فيزا'، تحمل اسمه ورقم هاتفه، وصفته التي تؤكد أنه 'معالج بالقرآن'.

عشرات السيدات اكتظت بهن قاعة الانتظار في منزل المعالج، وهو عبارة عن صالة متصلة بمسجد. وطغت على أحاديث السيدات والفتيات الإشادة بكفاءة 'الشيخ' وقدرته على العلاج وإنجازاته مع أشخاص عديدين، فهذا تم شفاؤه من الشلل، وتلك نالت نصيبها بعد تعقد طويل، وأخرى استعادت زوجها 'الضال'.

وعلى غرار الأطباء في العيادات الخاصة، يستقبلك سكرتير خاص بالمعالج، وأولى الخطوات التقاضي المسبق لـ'الكشفية'، وقيمتها خمسة دنانير مقابل وصل مالي بالمبلغ.

طقوس العلاج والتشخيص كانت سريعة في غرفة 'المعالج'، التي تفوح برائحة البخور، استفسار عن بعض الأمور، وقراءة آي من القرآن الكريم، ورش قطرات من الماء على وجهها، أخبرها أنه ماء 'زمزم'.
الى هنا انتهت جلسة العلاج الأولى، وعلى الفتاة الخضوع لعدة جلسات، فيما عليها الالتزام في بيتها بوصفة علاج، تتضمن قراءة سورة البقرة، والاستحمام بمياه 'يصرفها' المعالج، مقابل قليل من النقود.
تفاقم ظاهرة العنوسة والعزوبية أردنيا
يرى متخصصون اجتماعيون أن البحث عن أسباب 'خارقة' وحلول 'سحرية' لظاهرة العنوسة تزايدت في السنوات الأخيرة، وذلك في ظل اتساع ظاهرة العنوسة، وتأخر سن الزواج للفتيات والشباب في المجتمع الأردني، جراء ظروف اجتماعية واقتصادية عديدة.
وحسب دراسة جمعية العفاف، فإن عدد النساء الأردنيات غير المتزوجات، ممن تبلغ أعمارهن 18 سنة فأكثر، بلغ العام 2009 نحو 451 ألفا، بنسبة 29.1 % من إجمالي النساء في الشريحة العمرية المذكورة، فيما يقدر عدد الرجال غير المتزوجين في الأعمار نفسها بنحو 609 آلاف، بنسبة 39 %.
ويقدر متوسط العمر عند الزواج الأول للذكور بنحو 29.6 سنة مقابل 26.1 سنة للإناث، في مقابل أن متوسط سن الزواج للذكور كان العام 1961 نحو 20 سنة، وللإناث 17.6 سنة، 'ما يدل على وجود عنوسة حادة في المجتمع الأردني'، بحسب دراسة 'العفاف'.
باتت رحلة البحث عن عريس تنتهي لدى مئات الفتيات الأردنيات في السنوات القليلة الأخيرة، بالمثول بين يدي 'معالج خارق'، يدعي انفتاح الغيب أمامه وقدرته على التصدي لأسباب خارقة وسحرية تعيق ارتباط الفتاة بنصيبها.
مصائب قوم عند قوم فوائد!
ولم يعالج القانون الأردني، كما تبين في هذا التحقيق، لجوء أشخاص الى امتهان مثل هذه 'الوظيفة الخارقة'، التي باتت تدر مكاسب وأرباحا كبيرة، تشكل مثارا للتندر في المجتمع. ويرى معنيون أن القانون ومؤسسات إنفاذه لا تستطيع التدخل في هذه الحالات، إلا إذا وقعت جريمة تنتج عن ممارسة 'الشعوذة' وادعاء القدرة على 'فك العمل والسحر'، وذلك على الرغم من استغلال أعداد من ممتهني هذه المهنة للكثير من السيدات والمواطنين، وارتكاب جرائم بحقهم، وصلت أحيانا الى الاغتصاب والتحرش الجنسي.

في هذا السياق، يوضح الناطق الإعلامي لمديرية الأمن العام المقدم محمد الخطيب 'عدم وجود' قانون يأمر بتوقيف واحتجاز من يدعي العلاج بالقرآن الكريم، حتى لو تقاضى أجرا. لكنه يستدرك بالقول 'إنه في حال توجه أي من الأشخاص بشكوى معينة للمركز الأمني بحق مثل هذا الشخص، فيتم حينها وبناء على الشكوى، ملاحقته وتحويله الى الحاكم الإداري، الذي ينظر في الشكوى'.

ويشير الخطيب الى أن الأمن العام 'لا يتلقى في الغالب شكاوى ضد أشخاص يدعون أو يمتهنون العلاج بالقرآن الكريم'، ويحاول الخطيب تفسير قلة الشكاوى بإرجاعها الى أن 'مهمة مثل هؤلاء الأشخاص تلقى قبولا واستحسانا كبيرا من قبل أغلب الناس'.

إلا أن رأيا قانونيا آخر يوضح أن ثمة مدخلا قانونيا لملاحقة مدعي العلاج بالقرآن الكريم مقابل تقاضي أجور ومال، عبر البنود المنصوص عليها حول الشعوذة والاحتيال في قانون العقوبات الأردني.
ويرى المحامي الشرعي والنظامي، والمتخصص في قضايا المرأة، عاكف المعايطة أنه 'في حال جرت الشكوى على مدع للعلاج بالقرآن الكريم مقابل أجر أمام المحكمة والادعاء العام، فيتم توقيفه، ومعاقبته وفق قانون العقوبات الأردني، بتهمة الشعوذة والاحتيال'، فضلا عن أي جرم أو جناية تترتب على الشعوذة والاحتيال، وما قد يتفرع من هذين الفعلين من قضايا أخرى، مثل التحرش أو غيرها.
ويضيف المعايطة لـ'الغد' أن ما يحدث غالباً هو أن الضحية تلجأ الى الحاكم الإداري 'رغبة في التستر وعدم فضح أمرها'، موضحا أن 'الحاكم الإداري يعمل، بدوره، عادة على إرجاع المبالغ المالية، محل الاحتيال، ويتم إلزامه بكفالة مادية، وتوقيعه على تعهد بعدم العودة لممارسة ذلك'، لكن المعايطة يبين أنه 'لا يتم القبض على هؤلاء المدعين بدون تقديم شكوى رسمية بحقهم'.
ويؤيد المعايطة أن 'لجوء الفتيات لمدعي العلاج وحل مشاكل العنوسة وأملا في الزواج 'هو استغلال واضح لهن ماليا ونفسيا، رغم أن أغلبهن يتمتعن بالثقافة والعلم'.
حاكم إداري سابق، فضل عدم نشر اسمه، روى لـ'الغد' حادثة عرضت عليه رسميا قبل سنوات، تتعلق باستغلال أحد الأشخاص لسيدة، والتحرش بها بحجة محاولة علاجها بصورة خارقة.
القضية التي وصلت إلى الحاكم الإداري والذي حولها بدوره الى القضاء، جاءت بعد أن شكا رجل على مدعي العلاج بالقرآن، أنه تحرش بزوجته، والتي راجعه بها لمعاناتها من اضطرابات ونوبات نفسية، وتوهم أمور غريبة، فاختلى بها وبدا التحرش بحجة قيامه ببعض الحركات لإخراج الجن من جسدها، قبل أن تنتبه له وتفضح أمره.
يشير المسؤول السابق الى أن الزوج المذكور كان حريصا على أن يتم الموضوع بسرية تامة، بل و'لملمة' الموضوع، خوفا من 'الفضيحة'. ويوضح أن هناك كثيرا من الناس يتعرضون لعمليات 'نصب واحتيال' من قبل معالجين شبيهين، لكنهم يتجنبون الشكوى رسميا خوفا من الفضيحة وكلام الناس.
يتجنبون الشكوى خشية الفضيحة
'أنا لن أشتكي على الشيخ' هكذا بدأت الشابة منى حديثها لـ'الغد'، بعد أن أشارت الى أنها راجعت أكثر من 'معالج خارق' بحثا عن حل لمشكلة 'وقف الحال'، وابتعاد 'العرسان' عنها.
وتؤكد أنه ورغم عدم تغير حالها ووضعها بعد مراجعة المعالجين بالقرآن، إلا أنها ما تزال تؤمن بجدية عملهم، وقدرتهم على معالجة الأمور الصعبة.
الشيخ 'أبو عبيدة' وهو يعرف نفسه بـ'معالج بالقرآن الكريم'، منذ أكثر من 20 عاما، يستغرب الانتقادات التي توجه الى المعالجين بالقرآن الكريم، محاولا تقديم 'فلسفة' هذه المهنة.
يقول لـ'الغد' إن الكثير من الحالات تراجعه، خصوصا في حالات وقف الحال وعدم الزواج، معتبرا أن انتشار حالات 'توقيف الحال عبر الحسد أو السحر أو غيره كبير جدا'.
وهو يرى أن هناك 'حالات كثيرة' من مراجعاته 'لا يكون عندهن مشكلة حسد أو سحر، تحول دون ارتباطهن وزواجهن'، وإنما قد تكون هناك أسباب حقيقية (موضوعية) لدى الفتاة، كعدم الجمال أو السمنة، أو سمعة العائلة، أو غيرها من أمور قد تعيق ارتباطها.
ويستعرض أبو عبيدة لـ'الغد' بإسهاب 'آلية عمله' مع مراجعيه من حالات، ويقول 'أبدأ مع أي حالة بقراءة الرقية الشرعية عليها، وأثناء القراءة، تحدث انعكاسات على الحالة، ليتضح إن كان لديها إصابة روحية، مثل الحسد أو السحر أو غيرها'، وزاد 'في حال اتضح ذلك أبدأ بقراءة آي من القرآن الكريم عليها، وعبر عدة جلسات، حتى يتم الشفاء وتتيسر الأمور بإذن الله ويزعم أنه 'لا يستعين بأمور أخرى، مثل الزيوت والخلطات والحجب، في علاج الحالات المراجعة.
ويرفض أبو عبيدة تشكيك العلم والطب في أن لا ظواهر خارقة أو روحية وراء قضايا العنوسة ومشاكل كثيرة يواجهها البشر. ويقول 'مهما تطور العلم، فهو لن يتطور على الدين'، ويستدرك أنه يجب أن يتوفر لدى الإنسان الإيمان بأن 'لا شيء من هذه الأشياء يضر أو ينفع الإنسان إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى'.
بيد أن اختصاصية العلاقات الأسرية والزوجية د.نجوى عارف ترى أن اللجوء الى الشيوخ ومدعي العلاج بالقرآن الكريم في حالات عدم الزواج والعنوسة، وإرجاعها إلى أسباب خارقة مثل السحر و'العمل' وتوقيف الحال 'هو أمر نفسي بحت'.
وتعتبر عارف أنه عندما يواجه الشخص بفشل ما، فإن أولى آليات الدفاع عن النفس تكون في إلقاء اللوم على شخص أو ظرف آخر، مبينة أن الفتاة، في كثير من الأحيان، ترجح أن عدم نجاحها في هذا الموضوع، يعود الى أسباب غيبية، 'لأنها لا تريد الاعتراف بأن الخلل لديها مثلا، أو أنها مسألة نصيب من عند الله فقط'.
وتشير عارف الى أن أشخاصا آخرين، أقارب في الغالب، يعززون لدى الفتاة أحيانا مثل هذه الفكرة، ويكون منشؤها الجهل وانخفاض مستوى العلم والثقافة عند هؤلاء الأقارب، خاصة في حال تجاوز الفتاة سنا معينا، بدون زواج، فتتوفر التربة خصبة أمام الفتاة لتنساق الى هذه الاعتقادات.
وشددت عارف على ضرورة 'الابتعاد عن مثل هذه الاعتقادات، ومواجهة المشكلة بطريقة علمية واقعية'.
القدرة على الإيحاء واللعب على العقد
ويفسر اختصاصي الطب النفسي د.أحمد الشيخ لجوء البعض الى العرافين أو مدعي العلاج بطرق غيبية بمحاولة الشخص، وتحديدا الفتاة تفسير عدم تحقق الارتباط بأسباب خارجة عن الإرادة والتأثير الخارجي الخارق. فيما يرى أن العراف ومدعي العلاج بالقرآن الكريم يكون قادرا ومتمكنا من 'خلق إيحاء معين' لدى الشخص المأزوم، وإقناعه بأن 'هناك أسبابا خفية وراء حدوث مشكلته'.
ويؤكد د. الشيخ أن 'تصديق إيحاء العراف يعتمد على شخصية الفتاة، ومدى صلابتها النفسية'، ويرى أنه في الكثير من الحالات تربط الفتاة شخصيتها وتحقيق ذاتها، ورضاها الداخلي، بتحقيق هدف الزواج، وبالتالي فإنها تجلد نفسها وتحملها أكثر مما تحتمل، ما يضعف الذات لديها ويفقدها الثقة بالنفس، ويدفعها الى اللجوء للبحث عن الحل لدى مدعي السحر والخوارق'.
وبعد أن يلفت د.الشيخ الى أن الفشل أو التعثر في مسائل الارتباط والزواج يرتبط بظروف الحياة والنظام الاجتماعي والثقافي والقيم، ينصح الشخص والفتاة أن تكون لها أهداف متعددة في الحياة، تحقق أدوارا متعددة ومختلفة، ما يدفع الشخصية لتحقيق الرضا عن النفس، وعدم حصر الرضا عن الذات بمصدر واحد، يكون هنا الزواج، حتى لا تكون العواقب وخيمة. ويؤكد الاستشاري الاجتماعي الأسري ومدير جمعية العفاف الخيرية مفيد سرحان ضرورة وضع مشكلة العنوسة وتأخر سن الزواج 'ضمن سياقها الموضوعي العلمي'، رافضا إحالتها الى أسباب خارقة أو غيبية وغير طبيعية.
ويشير سرحان الى أن ثمة أسبابا متعددة لتأخر سن الزواج، في مقدمتها الأسباب الاقتصادية وتردي الأوضاع المعيشية للشباب والأسر، وارتفاع تكاليف الزواج، إضافة إلى تزايد نسب المتعلمات، والعادات الاجتماعية، وغيرها.
وسرحان يلفت الى الدور المطلوب من الشباب والفتيات والأسرة، والمجتمع عموما، في الحد من ارتفاع سن الزواج وتقليل نسبة 'العنوسة'، مؤكدا أنها 'مسؤولية متعددة الأطراف، لا تتحمل الفتاة وحدها مسؤوليتها'.
ويرى أن بعض الفتيات تشعر أن السبب الرئيس في عدم الزواج، أو تأخره، يعود الى أطراف وأمور أخرى، مثل الأعمال والعين والسحر. ويجزم أن 'مثل هذا التفكير خاطئ وسلبي، وأشبه بمن يبحث عن حلول لمشكلة عند من لا يعلم'.
وهذه المشكلة بالأساس، وفق سرحان، هي اجتماعية، يجب التعامل معها بهذا المنظور، خصوصا في ظل انتشار التعليم بين الشباب والفتيات، ما يتطلب حلها بطريقة علمية منطقية، وليس الهروب والبحث عن حلول بعيدة عن الواقع، بل وتتنافى مع الدين، الذي 'لا يؤمن بمثل هذه الثغرات، سواء البحث عن 'العمل' أو القيام بكتابة وصفة سحرية وحجب لحل المشكلة'.

ويرى سرحان أن مثل هؤلاء الأشخاص الذين يدعون فك الحجب والقدرة على حل مشكلة العنوسة، 'يقومون باستغلال حاجات الفتيات، وضعف الوازع الديني لديهن، وضعف الثقافة'.

وبين أن الأصل بالفتاة 'الابتعاد عن مثل هذه الحلول الوهمية، التي لا تساهم إلا في تبذير الأموال، كون الأصل هو الأخذ بالأسباب'.

الدعوة لجهود توعوية مجتمعية واسعة

ويدعو سرحان الى جهد مجتمعي وتوعوي، تشارك فيه المؤسسات الرسمية ووسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني، وتحذر من خطورة ممارسات الشعوذة، والذهاب للعرافين، أو ما يسمى زوراً بـ'الشيوخ'.

أما أستاذ الفقه والدراسات الإسلامية الدكتور منذر زيتون، ورغم أنه يرى أن 'الدين الإسلامي لا ينكر أن بعض الحالات قد تواجه الحسد أو السحر أو العين، ما قد يؤثر على حياة الفتاة وفرصها بالزواج، إلا أن هذا ليس هو الأصل، إنما هو أمر استثنائي، ولا يجب أن يكون الحل الأسهل لتفسير العزوبية والامتناع عن الزواج'. لذلك، فهو يرى 'ضرورة البحث عن الأسباب الأخرى لارتفاع نسبة العنوسة وتعثر الشباب في الزواج لسن متقدمة'. ويؤكد 'ضرورة أن يبحث المجتمع والأسرة، وقبل اللجوء الى مثل هذه الأمور، عن طرق للعمل على تسهيل أمور الزواج'.
ويلفت زيتون الى دور الأسرة في الكثير من الحالات، حيث إنها تتحمل مسؤولية كبيرة في تأخر زواج بناتها، فعليها أن لا تضع العراقيل المادية أمام الشباب المقبلين على الزواج والارتباط.

وينبه زيتون إلى أن حل المشكلة يكون من خلال البحث عن الأسباب الحقيقية، عند الشخص أو الأسرة، 'ولا يجب الخضوع لأهواء بعض من يسمون أنفسهم شيوخا، أو ممن يعملون على ترويج فكرة العمل والسحر والإصابة بالعين، فهذه أمور استثنائية جدا، وليست عامة، ولا يجب أن تصدق'.

إلا أن عائشة (54 عاما)، التي يعتبر المجتمع أن 'قطار الزواج قد فاتها'، ما تزال من رواد 'الشيوخ ومدعي العلاج بالقرآن'، تبحث عن بصيص أمل خارق يوصلها الى عش الزوجية، وييسر حالها ويفتح طريق العريس أمامها!.
عائشة، التي لا تتردد في الإنفاق من دخلها اليسير، على مراجعة العرافين، تصمت قليلا عندما تواجه بأن مراجعة العرافين ومدعي حل المشاكل وفك الحجب لم تغير على حالها شيئا، فما تزال عزباء، لم تحل مشكلتها، بالرغم من كل ما أنفقته، لكنها تعود للتأكيد على أنها ما تزال متفائلة، وأنها تتمسك بما تقوم به، وأنها لن تتردد في طرق أبواب العرافين من جديد فـ'الخير بالجايات إن شاء الله'. (تحقيق: مجد جابر - الغد)


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة