الوكيل - الحركة الأولى: (حاء) الباسق نمير
شهقة الجرح تتعمشق على ذرّات حبال الروح قبل دخول الصالة. ففي حديقة مدخل البيت العربي، حيث نُصب نحت ‘تحية إلى نمير’ تمعن كوابيس القتل المستديم سكاكينَ تخترق الضلوع بلا استئذان. هذا الباسقُ الكبير البهيُّ الجميل الأبيُّ الوادع الخجول العطوف النابتُ من أرض يبرود يعلن الحركة الأولى لسمفونية ‘الألم والتمرد’. فلا يعود صاحب النفس تتعرّف نفسه نفسَها وقد احتلّ سراديبَ روحها الشموخُ والإجلال والصمت المهيب، وربما الخجل، ناظراً هذا العمل النحتي (نحت حديد، ارتفاع 3م). نمير يعلو فوق البشر والشجر والجدار. تشدّه المساحة لناصية المجد البليغ، فينشد صمته السامي على مرمى الكون ملاحم شهداء سوريا. مرارة الرحلة الهادرة تنتظرك بعد ثوان. تستميح الشجرة نمير العذرَ أن كاد علوّها يحاذي علوّه، تنحني لذهابه العظيم إجلالاً ومهابةً. تحنو عليه صباح مساء. تبكي الشجرة. تغني، تهتف، ترقص، تتوجع، تربت على كتف الأم البعيدة المنتظرة، تشدو لها نغمات تانغو آتٍ من عمق الزمن!
صمت. افتتح النشيد.
الحركة الثانية: (ر) الصالة/ ملحمة الجرح:
‘في الصالة، ينتشر حوالي أربعين عملاً بين نحت حديد وطين وبرونز وقصدير. كلها، باستثناء واحد، عجنها عاصم، صبحاً ومساءً خليطاً من ألم الروح ودفعات التمرد والتسامي على الجرح الشخصيّ والعامّ. ينفلت الطوفان من صخور القلب، يصعق زاحفاً دفعةً واحدة بلا هوادة.
النازح:
قال الطفل لأمه، أين نسير؟ قال الجار لجاره: أ إلى الشمال أم إلى الجنوب؟ أم خارج نبض البلاد؟ ليتني تحولت إلى عمود من ملح، ولم أستدر لأرى ركام البيت الذي راح العمر في بنائه وتزيينه، يا قلبي كفّ عن اعتصارك، لا تَسَلْ إن كانت جوارب الأطفال وريشات ألوانهم ما لمحت قبل النزوح، ولا عن ملاعق الغداء الذي تُرك ساخناً، لم يُمسّ.
من البادية:
من طرفِكِ مرّ العاشق باسل. هنا ترك دراجته معلقةً بين وهج الفضاء وتراب الأرض، وقال لها: استريحي، سأوسد كتفي تحت ظلّ خفيف. ثم، في حمص، نام هنيهةً أو أبداً.
خصوبة غاضبة:
سيدة السيدات تستقبل المعزين. يغنون شهيدها، فتحبس حزنها، وترسم الابتسام. حذار أيها الطاغية. أما قالت لك مخاوفك أنّى للأجيال أن تنسى؟
تحية لغوطة دمشق:
حمل غياث وردتَه، من ابتسامته جنّ عسس الوحش، فأردوه خالداً على كتف السماء. ثم احتفلوا على أشلائه. قال يحيى للطيور العاشقة: انتظروني، فطريقي مازال مفتوحاً، والمدى ماله إلا أن يكبر. ركض الحيّ-الشهيد ‘المقبل’ لتشييع شهيد، فقنصه الرصاص ولم يعد. وما عاد، ما عاد في موكب الأسماء من متّسع. خرجت جنّة الأرض بناسها والفواكه والأنهار والغابات و شتلاتُ الزرع. دوما، المليحة، عين ترما، سقبا، حمورية، المعضمية، قطنا. هنا غوطة الجنّة ‘جنّة. جنّة.. جنة ياوطنّا’.
تظاهرة:
قال يامن لرفيقه: أمسك يدي وتعال. مدرارةً نزلت دموع الصمت الحبيسة على هتافات ‘حريقة’ الشام. ثم كانت درعا وحمص. هبت دوما وحماة. العاصي عانق بردى. الواحد يصبح اثنين. الاثنان ثلاثة. هدر الشباب: ‘واحد، واحد، واحد. يللي بيقتل شعبو خاين’.
رسم على الخزف، وجوه، وجوه، وجوه:
الوحوش حاضرةٌ بآثار جرائمها على وجوه الرسوم الخزفية. قضبان السجن فيها، وفيها التأوّهات والمرارة والجنون والأمل. تفتح سوريا يديها للسماء. تضم وجوه نسائها ورجالها. فمنهم من قضى ومنهم من ينتظر ‘وما بدّلوا تبديلاً’. تقول لك عيون الوجوه وجباهها أخبار صعودها وتترك الباب مشرعاً باتجاه الأمل.
البرزخ:
ما من خيار سوى النصر.
امرأة راقصة، امرأة مجنحة:
خاصرت هند لينا، ثم لبنى كندة، العرنوس، مدحت باشا. القيامة هنا كلّ يوم، وفي التالي يكون الرقص!
الحركة الثالثة/ (ي) صالة الخروج:
ظننت أني من القلة التي تطحنها قسوة المعروضات، ويقهرها الإيغال بالقتل، كوني معجونة بالجرح نفسه الذي سكن عاصم قبل أن يعود إلى منفاه، وممّن شهد وصاحب إصراره العنيد اليومي على قهر دموع الألم انتصاراً الحياة. حرصتُ على سؤال بعض من حضروا الافتتاح من مستعربين وآخرين يتكلمون الفرنسية، فقالوا: حكت الأعمال أسفار العذاب والتشرد والقتل، لكنها أيضاً بشّرت بسفر الخروج.
‘ربما كان هناك تناقضٌ صارخ بين عمل قديم يعود إلى 40 سنة (بورتريه لنيكول، قصدير) بهدوئه وعينيه والحياة، وما ترويه الأخرى، بكل لغات العالم، من ضجيج الثورة والصخب العنيف وقسوة الموت’. قالت لي زائرة وهي تكفكف دموعها.
الحركة الرابعة (هاء)
‘جُرْح’ عاصم. كما يسمّي سوريا وثورتها، جرحُ السوري- الإنسان، جرحنا جميعاً، ابتكر إعرابه الخاص لمفردات القسوة و’الحنّية’، الحب والكره، الحزن والفرح، الإذلال والتحدي، الظلم والعدل. حب الحياة ورفض الموت. الإصرارُ على عبور البرزخ نحو المستقبل والحرية. كان معرض ‘التمرّد و الألم’ حسب وصف المستعرب: خوسيه ميغيل بويرتا في تقديمه للمعرض. كيف لمعرضٍ واحدٍ أن يجمع كلّ هذه النقائض معاً؟ كيف لمعرضٍ واحدٍ أن يروي ملحمة شعبٍ عظيم؟’
ـ’افتتح المعرض في صالة البيت العربي، مدريد، وانتقل بعدها إلى قرطبة.
‘ ‘كاتبة من سورية
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو