الأربعاء 2024-12-11 06:24 م
 

قتل 5 أطفال يستدعي مراجعة منظومة "حماية الأسرة"

12:03 ص

الوكيل - بوفاة طفلة جبل القصور في عمان، مساء الخميس الماضي، يكون العام 2015 حصد أرواح 5 أطفال قتلوا على أيدي آبائهم، جميعهم دون سن 15 عاما، وعاشوا معاناة العنف لأعوام قبل موتهم.اضافة اعلان


وإلى جانب قسوة حالات وفاة الأطفال، حيث قضى 4 منهم نحبهم نتيجة الحروق البالغة التي أصيبوا بها، وواحدة نتيجة الضرب المبرح، فإن الجانب الأخطر- بحسب خبراء- أن 'الأطفال هؤلاء كان من الممكن إنقاذهم وحمايتهم من الموت، خصوصا أنه في كل الحالات كان هناك تبليغ للجهات المعنية عن حالات عنف سابقة داخل هذه الأسر'.

أولى تلك الجرائم كانت في آب (أغسطس) الماضي، عندما أقدم رجل على قتل ابنته البالغة من العمر عامين ونصف العام، وتم تحديد سبب الوفاة حينها بـ'تعرض الطفلة للضرب المبرح وإصابتها بكسور وجروح ورضوض مختلفة'.

وكانت الطفلة قبل وفاتها بأسبوعين، راجعت وشقيقتها البالغة 4 أعوام أحد المراكز الصحية الحكومية، وجرت معاينتها من قبل طبيب تعرف على تعرض الطفلتين 'للعنف الشديد'، لكن الطبيب 'لم يقم حينها بتبليغ إدارة حماية الأسرة، لتلقى الطفلة حتفها بعد أيام نتيجة الضرب'.

أما الجريمة الثانية، فاقترفها أب 'بإحراق زوجته الحامل وأبنائه الأربعة، عندما قام بإضرام النار في السيارة التي كانت تقلهم في منطقة مكب الغباوي'، ونجم عن الحريق وفاة الأم وابنتين وابن، فيما نجت طفلة واحدة من الحادثة، لكنها أصيبت بحروق ستبقى علاماتها واضحة على جسدها.

وكانت الزوجة في جريمة الغباوي، أبلغت عن حالة عنف أسري وقعت ضدها قبل يوم واحد من الحادثة، لكن نتيجة لإسقاط الحق بعد ضغوطات مورست على الأم من قبل عائلتها وعائلة زوجها، قرر المدعي العام تكفيل الزوج وإطلاق سراحه.

ورأى مختصون حينها أن 'عوامل الخطورة في تلك الحالة تم تجاهلها، خصوصا أن الرجل معروف بإدمانه على المخدرات وسلوكه العنيف مع أفراد عائلته'.

أما الجريمة الأخيرة فوقعت الأسبوع الماضي، وراحت ضحيتها طفلة تبلغ من العمر 14 عاما، والغريب أن هذه الطفلة كانت قد توفيت إحدى شقيقاتها حرقا قبل 7 أعوام، و'تم اتهام الأب حينها، لكن صدر حكم بالبراءة بعد سنتين من توقيفه'.

ولعل الأسوا، بحسب مصادر مطلعة على القضية، أن 'العمة كانت قد تقدمت بطلب بحضانة، كون الأب عنيفا وغير مؤهل لرعاية أبنائه'، وعلى الجانب الآخر كانت مديرة المدرسة قد استدعت والد الطفلة قبل شهرين من وقوع الجريمة 'للشكوى من سلوكها، وبعدها قرر الأب منع طفلته من الذهاب للمدرسة'، فيما 'ظهر تساهل وعدم اهتمام من قبل إدارة المدرسة تجاه انقطاع الطفلة عن الدراسة'.

ومن الواضح أن الأمر المشترك بين الحالات السابقة، هو أن جميعها دخلت في منظومة حماية الأسرة، غير أن تلك المنظومة فشلت في حمايتها، بحسب خبراء دعوا إلى ضرورة إعادة النظر في تلك المنظومة بالكامل، بدءا من القوانين المتساهلة في الجرائم داخل نظاق الأسرة، مرورا بإجراءات التبليغ من مقدمي الخدمات في المراكز الصحية والمستشفيات والمدارس، وصولا إلى منظومة حماية الضحايا.

وفي هذا السياق، يقول أمين عام المجلس الوطني لشؤون الأسرة فاضل الحمود، فإن 'الجرائم المؤسفة التي وقعت العام الحالي إنما تعزز ما قلناه سابقا عن الخلل والفجوات في منظومة الحماية، حيث تم تشخيص هذه الفجوات في لجنة تقصي الحقائق التي تم تشكيلها بعد جريمة طبربور، التي قامت فيها سيدة بقتل طفليها، وكذلك مراجعة وتحديث الإطار الوطني لحماية الأسرة من العنف'.

ويتابع الحمود: 'أبرز السلبيات والثغرات التي ظهرت خلال عمل لجنة تقصي الحقائق وتحديث الإطار الوطني، تكمن في ضعف التنسيق بين الجهات مقدمة الخدمات، إلى جانب عدم وجود كوادر بشرية مؤهلة ومدربة وكافية، إضافة إلى أن العنف الأسري ليس أولوية لدى بعض المؤسسات'.

ويلفت كذلك إلى الأنظمة والتشريعات الناظمة والحاجة لتعديلها لتوفير حماية أكبر، مشيرا في هذا السياق إلى بطء تعديل التشريعات المعنية، فقانون الحماية من العنف الأسري تم رفعه العام الماضي إلى رئاسة الوزراء، لكنه لم يقر لغاية اليوم.

ويبين أن الخطة التنفيذية لمواجهة العنف للأعوام الثلاثة المقبلة يفترض أن تعالج تلك الاختلالات، موضحا أن هذه الخطة التي تم إعدادها من قبل لجنة تقصي الحقائق، تم رفعها مؤخرا إلى مجلس الوزراء من قبل وزير الداخلية ووزيرة التنمية الاجتماعية لإقرارها.

وتابع الحمود: 'نأمل أن تتم سريعا مناقشة الخطة وإقرارها، وأن يكون تنفيذها إلزاميا لضمان فاعليتها'.

من ناحيتها، تقول مديرة مركز العدل للمساعدة القانونية هديل عبد العزيز، إن مشكلة العنف ضد الأطفال 'تبدأ بالمجتمع الذي يبرر العنف ضد الأطفال بشكل عام، فهناك حالة من التبلد تجاه هذا الموضوع ولا يتحرك الرأي العام إلا إذا أفضى هذا العنف إلى الموت'.

وتضيف عبدالعزيز: 'إلى جانب الضحايا الخمس، هناك عدد كبير جدا من الأطفال الذين يتعرضون للعنف والعنف المبرح، وهنا وجب إيجاد الآليات اللازمة لحمايتهم'.

وفي الجانب التشريعي، ترى عبد العزيز أن هناك ثلاث إشكاليات، الأولى تتعلق بإسقاط الحق الشخصي، وهو غالبا ما يتم في الجرائم التي يقع ضحيتها طفل داخل نطاق الأسرة، فيما ترى أن هناك حاجة ماسة إلى إعادة مراجعة قانون العقوبات، بحيث يمنع إسقاط الحق الشخصي في الجرائم الواقعة على الأرواح داخل الأسرة.

وتوضح: 'في التعديل الأخير على قانون العقوبات، تم تغليظ عقوبة جريمة الإيذاء المفضي إلى الموت إلى 12 عاما، لكن في غالبية الأحيان يتم إسقاط الحق الشخصي لتخفض العقوبة إلى النصف'.

غير أن أحد القضاة الذي فضل عدم ذكر اسمه، لديه نظرة مختلفة في هذا الشأن، إذ يقول: 'بالتأكيد في هذه الحالة توجد ضحية، وحالات الأطفال الضحايا أشد قسوة، كونهم ضعفاء ولا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، لكن الإشكالية التي نواجهها في حال تم تشديد العقوبة، هو مصير أفراد الأسرة الآخرين في حال غياب معيلهم'.

ويضيف بأن 'تشديد العقوبات في هذه الجرائم يتطلب أيضا توفير منظومة حماية اجتماعية واقتصادية لعائلة الضحية، بحيث تضمن لهم حياة كريمة وآمنة خلال فترة السجن لمعيل الأسرة'.

من جهتها، تلفت عبد العزيز كذلك إلى إشكالية المادة 62 من قانون العقوبات، والتي 'تبيح الضرب التأديبي الواقع على الأطفال من قبل والديهم، دون أن تقدم تعريفا واضحا لحدود التأديب'.

أما الخلل القانوني الآخر، بحسب عبد العزيز، فيكمن في 'قانون الحماية من العنف الأسري، والذي لا يوقع عقوبة بحق مقدمي الخدمات، سواء الطبية أو التعليمية، في حال عدم تبليغهم عن وقوع حالة عنف'، وتتساءل: 'كم من الحالات تمت فيها محاسبة مقدم الخدمة بسبب عدم التبليغ؟ إن التشدد في هذه المسألة سيساهم في حماية عدد أكبر من الأرواح'.

في هذا السياق، يوضح الحمود أن مسودة قانون الحماية من العنف الأسري تنبهت إلى هذه المسألة، حيث تنص المسودة على 'فرض عقوبة في حال عدم التبيلغ'.

مقابل ذلك، يبين مستشار الطب الشرعي، الخبير لدى منظمات الأمم المتحدة في مواجهة العنف، الدكتور هاني جهشان، أن 'الوقاية من حالات العنف ضد الأطفال، القاتلة والخطرة، تشكل تحديا كبيرا أمام العاملين في مجال الوقاية من العنف الأسري'.

ويوضح حهشان أن الوقاية من تلك الجرائم، تتطلب وجود آليات اكتشاف مبكر، وآليات تبليغ عن حالات العنف ضد الأطفال بمرجعية إدارية وقانونية مستقرة ومستدامة تنفذ من قبل مهنيين مختصين في القطاعات الصحية والاجتماعية والقانونية، ومدربين في مجال حماية الأطفال، كلٌ في قطاعه، وكذلك في مجال العمل التشاركي، بحيث تكون ذات مواصفات صديقة للطفل وتتفق مع حقوقه.

كما يؤكد ضرورة وجود آليات استقصاء مهني عن عوامل الخطورة المتعلقة بالعنف ضد الاطفال، باستخدام وسائل نظامية وبمرجعية معرفية موثقة، وتحت رقابة صارمة من قبل خبراء، بحيث تضمن هذه الرقابة الالتزام وعدم التراخي، فضلا عن وجود تشريعات وأنظمة تضمن عدم الإفلات من العقاب، والتي يجب أن تتفق مع منظومة حقوق الإنسان وحقوق الطفل والثقافة السائدة.

ويقول إنه يجب أن تكون العقوبات في هذه التشريعات موازية للجرم المرتكب، ويتوقع أن تشمل نظم إجراءات تقاض صديقة للأطفال، وضمان وجود الخدمات العلاجية والتأهيلية في المجالات الصحية والنفسية والاجتماعية، وتوفير الإرشاد والنصح القانوني للأطفال ومن يرعاهم، لمنع تكرار العنف وتفادي تفاقم عواقبه الخطيرة والقاتلة.

الغد


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة