الأربعاء 2024-12-11 02:39 م
 

قراءة في المبادرات الشبابية

08:05 ص

الشباب خزان أفكار وإبداع نوعي وكمي وأدوات تغيير وصناع للغد المشرق لخدمة من حولهم من أبناء مجتمعاتهم عن طريق المبادرات الشبابية التي أساسها المواطنة والعمل التطوعي والانتماء، والملاحظ بوضوح أن هنالك همة واندفاعا لكثير من الشباب للمبادرات الشبابية لحل بعض المشاكل ومواجهة التحديات المجتمعية، لكنها غير منظمة وليست ممأسسة، وتعاني المبادرات الشبابية من التشرذم وعدم الاستدامة وضعف المنهجية والفزعة ومشاكل التمويل أحياناً وعدم تضافر الجهود والتنوع على حساب الجهد ودخول بعض كبار السن عليها طمعا بالمال والسلطة على حساب الشباب وأمور أخرى.

اضافة اعلان


كما أن دخول التمويل الاجنبي على المبادرات الشبابية أفقدها روحية العطاء لتكون جاذبة لروحية الاخذ والربح المادي عند البعض ونسيان روحية العمل التطوعي، وأحسنت الجهات المشرفة على المبادرات الشبابية والجمعيات والأندية ومنظمات المجتمع المدني صنعاً عندما ربطت شروط التمويل الأجنبي بجهة واحدة، ألا وهي وزارة التخطيط والتعاون الدولي، وذلك يجعل آليات مراقبتها وتدقيق عملها أسهل وأكثر شفافية، إذ إن البعض ومع الأسف بات يتطلع للمبادرات الشبابية كمصدر للدخل المادي«والشحدة» عند بعض الشباب والعاملين معهم لغايات الطمع بالمال مما أفسد بعضها.


نحتاج اليوم وقبل الغد لتوحيد جهود المبادرات الشبابية ومأسستها واستخدام دليل موحد لها لتكون نظيفة التوجهات دون شبهات، ولتشكل كلها قصص نجاح وطنية، وخصوصاً أن هنالك العديد من هذه المبادرات كانت ناجحة وسجّلت سبقا إنسانيا واجتماعيا وتطوعيا في مناح كثيرة بدءاً من النواحي الصحية والاجتماعية والتطوعية ومروراً بالنواحي الاقتصادية والحياة المدنية، وصولاً للنواحي العلمية والتكنولوجية والإبداعية والابتكارية على السواء.


مطلوب من المؤسسات الشبابية الرسمية متابعة المبادرات الشبابية لتصويب مسارها وليعود ألقها لتنعكس إيجابا على المجتمع برمته لمواجهة التحديات وحل المشاكل وتحقيق الأهداف المرجوة وفق منهجيات واضحة، ومطلوب إستثمار طاقات الشباب الايجابية في المبادرات الشبابية لتكون نافعة للمجتمع وتساهم الى جانب الجهود الرسمية ومنظمات المجتمع المدني في حل معضلات تنموية واجتماعية واقتصادية ومدنية وغيرها، ولتغيير ثقافة الشباب المجتمعية صوب الانتاجية والعطاء لا النوم والانتظار والضياع والتسكع وغيرها.


والملاحظ لشباب اليوم يدرك درجة تمكينهم والجهود المبذولة لذلك في التعليم وتكنولوجيا الحاسوب والمعلومات واللغات، وخلق حالة الوعي العام والاتزان ونبذ التطرف والغلو والعنف وغيرها، ومحاربة الإرهاب بفكرهم الوسطي والمعتدل، ولكنهم يعانون من نقص بعض المهارات والثقافات العصرية، وهنالك جهود مشكورة تبذل أيضا لغايات تحصين الشباب من قبل وزارة الشباب والهيئات العاملة معها من خلال ترسيخ القيم والعادات والثقافات الوطنية، وان كانت بعض مؤشرات التحصين غير مرضية عند البعض.
لكننا ما زلنا نلحظ بعض الارتباك والتشرذم في بعض البرامج الشبابية، وخصوصا في مسألة التبادل الشبابي والدعوة لدور شبابي عالمي، لغايات توسيع أفق الشباب وترسيخ ثقافات السفر والتنوع والتعدد والحوار وحقوق الإنسان والديمقراطية لديهم.


كما أن الشباب بحاجة إلى أن نثبت لهم أن قصص النجاح الحقيقية هي التي تأخذ الفرص الفعالة في المجتمع.
لكننا أيضا ما زلنا حقا بحاجة لولوج الشباب وتعزيزهم لعمل برامج ومبادرات فردية وجماعية في مجال التشغيل والاستثمار لنفع الوطن كبرامج التشغيل الذاتي والعمل الإنتاجي والقضاء على ثقافة العيب والتأسيس للعمل التشاركي المنظم والتعاون والخدمة العامة والعمل التطوعي.


ولعل تجربة الشركة الوطنية للتشغيل والتعليم المهني والتقني تعتبر رائدة في هذا المجال، ولذلك ندعو الشباب للمشاركة من خلالها لتعلم مهارات وورش تهمهم لغايات العمل.


ندرك أن الكثير من الفئات الشبابية ما زالت لا تدرك قيمة الوقت بالإضافة إلى بعض مهارات الحياة العصرية كمهارات الاتصال والحوار والتعايش مع الآخر وتعزيز ثقافة المبادرات الشبابية.


ولعل تحدي الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا كثالوثه المكون من الانترنت الحاسوبي والأجهزة الخلوية والفضائيات الإعلامية ما زال يشكل أهم التحديات التي يجب على الشباب أن يحسن استخدامها والولوج في عالمها وفضاءاتها الرحبة. كما أن الشباب ما زالوا بحاجة إلى تطوير طاقاتهم الإبداعية في ثقافة البحث والتطوير واستخدامات التكنولوجيا الحديثة.


والشباب أيضا بحاجة لممارسة المواءمة بين الحقوق والواجبات وعدم تضييق الأفق للتطلع للمغانم والمكاسب فقط، فالحياة أخذ وعطاء وكذلك هي المواطنة الصالحة. وما زلنا نلحظ ضحالة لدى بعض الشباب في موضوع المواءمة بين الأصالة والمعاصرة وبين الثقافة الوطنية والعولمة وبين لغتي العقل والقلب. وثقافة المواءمة موضوع كبير يحتاج الشباب لحكمة وتوازن كبير للولوج في عالمه.


ويحتاج الشباب أيضا تبصيرهم بدور القطاع الخاص في المسيرة التنموية –وعدم الاتكال فقط على القطاع العام لغايات الوظيفة-، لأن القطاعين العام والخاص هما رافدان تنمويان أساسيان. ولهذا فان ثقافة التدريب والتأهيل إبان الدراسة الجامعية موضوع هام. ولعل القضاء على ثقافة العيب موضوع أساسي في إيجاد بيئة وظيفية للشباب.


كما أن الشباب بحاجة إلى حضور ودور أكبر في المنتديات واللقاءات العامة لغايات المشاركة في الحياة العامة، والمقصود هنا ليس الحضور بعينه بل فعالية الحضور والمشاركة النوعية. ولعل مشاركة الشباب وانضمامهم إلى مؤسسات المجتمع المدني واحدة من القضايا التي يجب العمل عليها في المراحل المقبلة. ولهذا فإننا بحاجة إلى إطلاق مبادرات تصب في هذا الفحوى.


ويحتاج الشباب أيضا إلى التوجيه والرعاية في بعض الصفات غير المرغوبة لدى البعض والتي تؤثر سلبا على الآخرين كالتدخين في الأماكن العامة وارتكاب حوادث السير والطيش والصبيانية وعدم المسؤولية في قضايا الوقت والتجسير بين المهارات الأصيلة والمجتمعية ومهارات العصر ومتطلباته.


والكرة ما زالت في مرمى الشباب ليطاولوا مضاء عزم القائد في رؤيته الشبابية، ولينهلوا من المعين الخصب للمشاريع الشبابية الرائدة؛ لأن التنمية لا تتم إلا بالشباب وليس لأجلهم فقط، كي نصل إلى حركة شبابية مثالية مبنية على ثقافة البرامج والخطط ذات الإطار الزمني لا الأنشطة والفعاليات، ومبنية على إطار مؤسسي عريض لا نخبوي، ومبنية على مشاركة شبابية حقيقية لا شكلية، ومبنية على خلق ثقافة متجددة أساسها العمل والإنتاجية والتنافسية، ومبنية على المعرفة والانفتاح ومواكبة التكنولوجيا وتسخير المعارف لخدمة الوطن، ومبنية على المشاركة في برامج الإصلاح والتطوير والتحديث لخريطة الطريق التي رسمها جلالة الملك.


فكثير من المبادرات الشبابية تحتاج لتصويب مساراتها لتساهم في روحية العطاء والعمل التطوعي لا أن تكون مطمعا ماديا للربح والابتزاز، ومطلوب التركيز على إيجابياتها ونصفها المليء لا الفارغ لغايات تعظيم قيمتها ومبادئها ورؤيتها دونما نقاط سوداء! وليكون الشباب على قدر الثقة الملكية السامية بهم ويطاولوا مضاء عزمه.

* وزير الأشغال العامة والإسكان الأسبق


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة