الجمعة 2024-12-13 12:58 م
 

‘قصور الثقافة’ المصرية تتذكر الباحث الراحل سامر سليمان

12:42 م

الوكيل - فيما يبدو أنه إعادة اعتبار للذكرى الثالثة لرحيل الباحث الشاب سامر سليمان؛ أصدرت الهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر الطبعة الثالثة من كتاب ‘النظام القوي والدولة الضعيفة’ الذي صدر في طبعتين سابقتين عن دار ‘الدار’ للنشر والتوزيع.اضافة اعلان

والراحل سامر سليمان كان أحد الباحثين الجدد في مجال الاقتصاد السياسي، وأحد أبرز المنتقدين للصورة المتهرئة التي وصل إليها النظام السياسي المصري في سنوات مبارك الأخيرة، لذلك فإنه منذ مقدمته يشير الى قناعته التي ترسخت منذ منتصف التسعينيات بأن أزمة التنمية الرأسمالية في مصر يمكن ردها ببساطة الى ضعف الدولة المصرية، ويفرق الباحث بوضوح بين ما يعنيه بالنظام القوي في مقابل الدولة الضعيفة حيث يقول إن ضعف الدولة المصرية يرجع الى طبيعة النظام السياسي المفتقد لأية قاعدة اجتماعية صلبة خارج جهاز الدولة ويردف سليمان قائلا ومستكملا فكرته: المشكلة في مصر لا تكمن فقط في أنها ابتليت بنظام استبدادي من النوع غير التنموي، بل يضاف عامل الفساد الى بقية الأسباب.
ويبدو أن الباحث لا يفرق بين التحولات النوعية منذ ثورة يوليو وحثي الآن ويعتبر هذه الفترة تأكيدا على النموذج الاستبدادي بأشكال مختلفة، وما يدفعه للتأكيد على هذا المعنى أن مصر أخذت فرصتها بين دول العالم الثالث من حيث المساعدات الدولية سواء كان ذلك في العهد السوفييتي أو الأمريكي ومع ذلك فشلت مصر حتى في انجاز مشروع محو الأمية.
ويري الباحث أن الوضع المتردي الذي وصلت إليه مصر يفتح الطريق أو يجب أن يؤدي الى جدل حقيقي حول المستقبل السياسي للبلاد، ويؤكد انه لم يعد من الوجاهة الحديث ـ على أي نحو ـ بما يشي بأن الاستبداد السياسي له ضرورات تنموية مؤكدا القول بأننا لم نحصل من النظام لا على التنمية ولا على الديمقراطية ولا عجب في هذا لأن هذا النظام قد تعامل مع الدولة باعتبارها جهازا للسيطرة القهرية على المجتمع لا جهازا لإدارة شؤون هذا المجتمع.
والكتاب بالأساس هو رسالة الدكتوراه المعربة التي نالها الكاتب من معهد العلوم السياسية بباريس عام 2004، ويتضمن ستة فصول وخاتمة جاء الأول حول تطور حجم الدولة المصرية في ظل حكم مبارك والثاني عن تحولات توزيع الموارد على مؤسسات الدولة، الأمن أولا، والثالث حول الأزمة المالية وتأثيراتها على علاقـــة الحكومة المركــزية بالأحداث المحلية والرابع حول الصراع السياسي والتوزيع الإقليمي للموارد العامة، والحملة الاستثمارية ضد الجماعة الإسلامية في الصعيد، والخامس حول الدولة الريعية وتحولها الى دولة جباية: التحولات في آليات تعبئة الإيرادات العامة ونتائجها السياسية.
أما الفصل السادس والأخير فحول نهاية الدولة الريعية – الرعوية وصعود الرأسمالية المصرية بالإضافة الى خاتمة تحت عنوان نجاح نظام وفشل دولة.
وسوف نحاول في عرضنا تجنب التفاصيل المتعلقة بالشأن شديد المحلية الى النقاط والجوانب التي تشكل شأنا عاما مشتركا بين معظم الأنظمة العربية لا سيما حول ما يتعلق بالأمن والثقافة كوجهي نقيض وكيف يتحولان مع الدولة الشمولية الى أداة من أدوات التدجين والسيطرة.
يتناول الكاتب نظرية الريعية باعتبارها باتت شاغلا من شواغل خبراء الاقتصاد السياسي في مصر، ويتحدث عن ظاهرة الدخول الريعية أو الدخول الخارجية، حيث يري أن الاقتصاد المصري شهد منذ السبعينيات تدفق العديد من الموارد الخارجية أو الريعية مثل المعونات الخارجية وتحويلات العاملين بالخارج، وينقل الباحث سامر سليمان عن جلال أمين قوله إن الدخول الريعية هي المحرك الأساسي للاقتصاد المصري منذ منتصف السبعينيات باعتبار أن مظاهر النمو في هذا الاقتصاد اقتصرت على دخل قناة السويس والبترول وتحويلات العاملين بالخارج، ويري الباحث إن تأثير هذه الريعية كان سلبيا على الصناعة المصرية، ويشير الى انه يتناول هذه الظاهرة من منظور الاقتصاد السياسي بمعنى انه يدرس آثار انخفاض الإيرادات الريعية ليس على الاقتصاد المصري، ولكن على الدولة وعلى السياسة، وبالتالي فهو لا يفصل بين جهود الشعب في مجالات مختلفة وبين هذه الريعية التي تحتاج الى جهد للتعامل معها والاستفادة منها بما في ذلك جهود أجيال من المثقفين والفنانين المصريين الذين مارسوا تأثيرا فكريا على العالم العربي وبذلك أصبح البلد الذي ينتمون إليه ذا أهمية إستراتيجية في المنطقة، الأمر الذي يعطي للنظام السياسي القابض على الأمور في القاهرة الأرضية لكي يطالب بنصيب مهم من المساعدات الخارجية التي تقدمها الدول الصناعية. هذا وينظر الباحث في الأمر بعيدا عن المستوي النظري الاقتصادي المحض.
ويحاول الباحث إن يضبط مفهوما خاصا للسلطة السياسية تحت سؤال مهم هو الدولة أم النظام السياسي ؟!، ويستعرض عبر سؤاله عددا من المدارس السياسية التي طرحت السؤال بشكل مباشر على النحو التالي: من الذي يحكم المجتمع؟ هل هي الدولة أم الحكومة، أم الحكام، وينتهي الباحث بما يسميه أهمية خاصة تميز النظام السياسي المصــــري الراهن وهي كونه نظاما تسلطيا أو استبداديا يفتقر للديمقراطية ويعتبـــره الباحث امتدادا لنظام الضباط الأحرار منذ تموز (يوليو) عام 1952 ويشير الى أن المقصود بالدولة الرعوية هي تلك الدولة التي تتحكم في موارد كثيرة تستطيع بواسطتها أن توزع الكثير من العطايا على بعض القطاعات النشطة من السكان، وهي بذلك تنجح في احتوائهم وتدجينهم. ويؤكد الباحث إن العطايا تبدأ من الدعم السلعي وتمر بالرعاية الصحية وتصل للتوظيف المباشر في جهاز الدولة الذي يعتبره الباحث أم هذه العطايا لأنه ـ كما يقول ـ يحقق قدرا عظيما من سيطرة النظام السياسي على الأفراد، ويرى سامر سليمان أن الدولة الرعوية في مصر هي الوجه الآخر للدولة الريعية، ويقول:
ما تحصل عليه الدولة من دخول ربيعية يسمح للدولة الرعوية بالقيام بوظائفها في توزيع العطايا ومن ثم تحقيق السيطرة السياسية.
ويتساءل سليمان وهو بصدد التساؤل عن الثقة في البيانات التي حصل عليها من مصادر المالية المصرية، يتساءل عن حجم الفساد ويؤكد أنه يوجد في مصر بمستويات مرتفعة ففي عام 2001 صنفت احدي المنظمات العالمية الدولة المصرية في مرتبة متدنية حيث حصلت على 3.6 درجة من 10 في مؤشر الفساد، والذي تعتبر فيه الدولة فاسدة إذا حصلت على أقل من 5 درجات، ويصف سامر سليمان هذا الوضع بعدم الشفافية التي تدفع وزارة المالية الى التكتم الشديد على أمر موازناتها بدعاوي متهاوية مثل الأمن القومي، ويقول الباحث هنا في فقرة شديدة الأهمية: تقول السلطات المالية دائما إن الحفاظ على سرية الحساب الختامي يرجع لأسباب خاصة بالأمن القومي، على أنها لا تقول لماذا تستطيع دول كثيرة أخرى الحفاظ على أمنها القومي بدون التكتم على بيانات المالية العامة، وهي لا تقول أيضا لماذا تكون تلك البيانات متاحة للمؤسسات المالية الدولية وغير متاحة للباحثين وللمهتمين من المصريين، ويردف: الحقيقة أن غياب الشفافية في هذه البيانات لا يهدف الى التستر على الفساد، كما يعتقد البعض فالفساد بالتعريف هو تدفقات مالية خارجة عن القانون، وهي بهذا المعني غير مرصودة في أية أوراق رسمية، ويختتم الباحث بقوله:
التكتم في بيانات الحساب الختامي يهدف الى اخفاء التوزيع الحقيقي للموارد في داخل الدولة المصرية، فكما يقول رولف جولدشيد:
الميزانية هي الهيكل العظمي للدولة منزوعا عنه كل أيديولوجيات التجميل، بعبارة أخري النظم السياسية تقول إنها تفعل أشياء كثيرة، ولكن ما تفعله الدولة حقيقة مثبت ومرصود في فواتير حساباتها
أما فيما يتعلق بالإنفاق على الأجهزة الأيديولوجية مثل الثقافة والأمن فيتناول الباحث زيادة نصيب الإنفاق على الثقافة والدين في الإنفاق العام ويرى أن النظام فعل ذلك لتعبئة آلته الأيديولوجية في حربه ضد الحركة الإسلامية، حيث يرصد الباحث قيام وزارة الأوقاف في تلك المرحلة بتأميم الكثير من المساجد الأهلية التي كانت تستخدم في الدعوة وتجنيد الأنصار للجهاد ضد الدولة.
ويستطرد سليمان قائلا: كان إنفاق الدولة المتزايد على الدعوة الدينية ضروريا لضمان ولاء الدعاة الرسميين الذين يعطون شرعية دينية للنظام، تلك الشرعية التي أراد الإسلاميون أن ينزعوها عنه.
في الوقت نفسه يرصد الباحث زيادة الموازنة فيما يتعلق بالإنفاق على العديد من المجلات والمطبوعات التي تدافع عن الدولة المدنية في مواجهة الدولة الدينية.
ويشير الباحث الى مشروع مكتبة الأسرة الذي تأسس تحت رعاية قرينة رئيس الجمهورية المخلوع حسني مبارك، كذلك زيادة الإنفاق على البنية الأساسية للثقافة مثل بناء المتاحف والمكاتب والمسارح.
ويرى سليمان أن ذلك كان ضروريا لكسب تأييد المثقفين للنـظــام وهـــــو ما يراه قد حدث بالفعل، حيث انتقل العديد من هؤلاء الى جبهة التأييد العلني والصريح.
أما فيما يتعلق بالنظام التعليمي فيري سامر سليمان إن النظام رفض الحل الليبرالي والحل اليساري وأبقي على التعليم المجاني، لكنه فرغه من محتواه الواقعي، فهو وان كان متاحا للجميع، إلا أنه لا يقدم سوي خدمة شديدة السوء تؤدي حتما الى تخريج أجيال من أشباه الأميين، ويرد الباحث سبب تمسك النظام بالمجانية الى أن طريقة الدولة في تسيير الأمور تنتهج مبدأ الجمود السياسي التي تهدف الى تثبيت الأمر الواقع.
وينتهي الباحث في كتابه الى نتيجة مفزعة لكنها حقيقية حول أوضاع الأجور في مصر لا سيما تردي رواتب المعلمين فيقول إن الأجور في مصر مرتبطة بالمكانة، فالمؤسسات التي تحصل على أعلى الأجور هي غالبا التي تحظى بالمكانة الأكبر في الدولة، ويضيف: إذا كان العاملون بالمؤسسات الأمنية يحصلون على أعلى الأجور في الدولة فان ذلك مرتبط بمكانتهم المركزية في النظام السياسي المصري والتي لا ينازعهم فيها أحد. وينتهي الى القول إن رفع أجور المدرسين يتطلب إذن رفع مكانتهم داخل النظام السياسي، وذلك كان صعبا جدا على نظام مبارك الذي كان محكوما بالمنطق الأمني.
أما فيما يتعلق بالطبقة الوسطي فيراها الباحث تحتوي على فئات متنافرة في مستوى الدخل وفي شروط العمل وفي التعليم والميول الأيديولوجية ويراها تحوي جناحين أساسيين أولهما الطبقة المتوسطة التقليدية والمشكلة من أفراد يعملون بشكل مستقل في مشروعات صغيرة وهم أصحاب مستوى تعليمي محدود.
أما الطبقة الوسطى الحديثة فهي تلك الشريحة التي تمارس عملا ذهنيا سواء مارسته بأجر لدى الغير كالموظفين والمدرسين أو مارسته بشكل مستقل كالأطباء والمحامين، ويحاول الباحث إن يكشف عن التنافر الذي نشأ في صفوف الطبقة الوسطى بين شرائح صاعدة عبر القطاع الخاص وأخرى هابطة ويقول ولكن في كل الأحوال هناك حالة من التباعد عن النظام ناتجة عن الاستقلالية المتزايدة عن الدولة للشرائح الصاعدة وعن التهميش المستمر للشرائح الهابطة تلك الفئات التي يراها الباحث تحمل حقدا وكراهية للنظام السياسي وذلك بسبب تدهور أوضاعهم الوظيفية والمعيشية بسبب تفكيك الـــــدولة وبيعها وهي طبقة يراها الباحث لا تعطي أي مؤشر على الانتماء للدولة أو الإيمان بدورها بالإضافة الى ما يراه انهيارا معنويا وأخلاقيا ناتجا عن الافتقار الى أيديولوجية تبرر الدور الذي تلعبه، ويرى الباحث في الإجمال أن هذا الاستقلال النسبي عن الدولة أدى الى نوع من السلبية السياسية ودفع البعض الى الانخراط في صفوف الإسلاميين ويدلل على ذلك بأوضاع النقابات المهنية بين الثمانينيات والتسعينيات حيث شهدت نقابات الفئات الأكثر استقلالا مثل الأطباء والمحامين والمهندسين صعودا كاسحا للتيار الإسلامي.
ولم يقيض للباحث المرموق سامر سليمان البقاء حتى يرى نتيجة أطروحاته وقد تحقق الجانب الكبير منها على أرض الواقع بعد الثورة الكاسحة التي غيرت الأوضاع في مصر في الخامس والعشرين من يناير 2011، والتي صعدت بالإسلاميين الى سدة الحكم بالشكل الكاسح الذي توقعه، غير أنه كان في حاجة أيضا الى متابعة المشهد الذي سقط فيه الإسلاميون بعد خروج الملايين من الشعب المصري في الثلاثين من يونيو، لأنهم بدلا من أن يقضوا على تركة مبارك إذ بهم يعيدون إليها الاعتبار عبر تبني نفس السياسة الريعية التي جعلت الاقتصاد المصري جزءا من الكمبرادور العالمي فضلا عن تراجعه عن مكانته التي كانت ضعيفة بالأصل، دون تجاهل المأزق السياسي الذي جعل من نظام حكم منتخب بإرادة شعبية يتحول الى وحش كاسر يعمل ضد الإرادة التي انتخبته في سبيل التمكين الكامل وإقصاء المعارضة السياسية والقطاعات الأعرض من المجتمع.
يقع كتاب ‘النظام القوي والدولة الضعيفة’ في 316 صفحة من القطع الكبير وصدر في طبعته الجديدة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة