الوكيل - كعادتهم، لا يمر من بينهم فن أو اتجاه أدبي دون أن يحدث ضجة، لكنّ المثقفين السعوديين يبدون أقل تصلبا في مواقفهم من الاتجاهات الحديثة الطارئة على الأدب، على عكس المواقف المتشددة من قصيدة النثر مثلا، التي أصبحت عنوانا لرفض الحداثة ومقاومتها.
ثمة جدل جديد يظهر بين فترة وأخرى يتعلق بالقصة القصيرة جدا، «ق.ق.ج»، التي شاع استخدامها اليوم مع انتشار تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصا «تويتر»، التي تتيح مجالا محدودا لكتابة نص لا يزيد عن 140 حرفا. جوهر هذا الخلاف ليس الشكل الفني للعمل السردي القصير، ولكن قدرة هذا النص أن يكون «مدهشا» ويتجاوز القوالب التقليدية. وهذا الخلاف لا يأتي من فراغ، فأكثر المثقفين والأدباء يتواصل بعضهم مع بعض ومع جمهورهم الافتراضي عبر وسائل التقنية الحديثة، وبالتالي يدور هذا الجدل في الفضاء الإلكتروني حول تأثير هذه النصوص القصيرة على تطوير تجربة أشبه ما تكون بشعر «الهايكو» على الطريقة اليابانية، أو تسطيح هذه المقاطع للعمل السردي وجنايتها عليه.
يذكر أن نادي الرياض الأدبي نظم العام الماضي مسابقته للقصة القصيرة في فضاءات «تويتر»، وأرادها مسابقة دورية حسب الأجناس الأدبية، يكون فضاؤها «تويتر»، وفاز فيها خمسة متسابقين في كتابة نص قصير في حدود تغريدة واحدة لا تتعدى 140 حرفا.
الجدل التالي، كان مسرحه عالما افتراضيا آخر، فضمن مجموعة على شبكة «واتس آب» تحمل اسم «القصة العربية» تضم نحو 30 قاصا وأديبا وناقدا، يديرها القاص جبير المليحان، دار قسط من هذا الجدل والتقطت «الشرق الأوسط» بعضا منه، وسعت لإشراك آخرين، بينهم الناقد المعروف الدكتور معجب العدواني الذي عرف بموقفه المتشدد من تجربة القصة القصيرة جدا، لكنه تحدث لـ«الشرق الأوسط» من الولايات المتحدة حيث يزورها، موضحا ملابسات هذا الموقف ورأيه في هذه التجربة.
يقول القاص محمد البشير: «القصة القصيرة جدا جنس أدبي منتمٍ إلى السرد، ومن الخلط الكبير أن تحاكم القصة القصيرة جدا بأركان القصة القصيرة أو الرواية، فيسأل سائل عن الزمان والمكان والحوار وما إلى ذلك في القصة القصيرة جدا».
محمد البشير، الذي يحمل درجة الماجستير في الأدب والنقد، وهو مؤلف وقاص، يلاحظ أنه تم إلحاق «القصة القصيرة جدا» بالقصة، وحين حملت هذه الصفة أصبح البعض يسعى لتطبيق معايير القصة عليها، متناسين أهم ما يميزها كونها «قصيرة جدا»، فاشتراط «جدا» هو أهم مكونات القصة القصيرة، فهي موغلة في التكثيف والإيجاز، ولذا يجدر بها العسر لا اليسر، فالإبانة في الإيجاز أعسر منها في الإطناب.
وأضاف: «لا يحاكم أي جنس أدبي لسوء ما يقدمه البعض أو الكل، ففي كل جنس أدبي أدعياء، وإن كان حقل القصة القصيرة جدا أكثر رحابة للأدعياء بتوهمهم سهولة الأمر بصف كلمتين و(الطلسمة) حد الخروج من النص دون أن يعي المتلقي أي شيء».
ويدافع البشير عن مفهوم «ق.ق.ج» بالقول: «ما لا يفهمه من يزدري القصة القصيرة جدا أن هذا الجنس تحديدا يعمل في بياضات النص أكثر من سواده، فمهمة القارئ تبدأ عند انتهاء النص بتصوير القصة وعيش نشوة الدهشة التي تطبعها القصة القصيرة جدا من مفارقة وكسر لأفق الانتظار وقراءة كل شيء في القصة حتى علامتها وتشكيلها البصري».
بينما يرى أن «الإبداع الحقيقي هو التجاوز لا اجترار ما سبق من تنقيب عن اشتراطات وقيود، فالإبداع تكسير لقيود، وطرح نماذج تستحق الخلود، وهذا ما نرقبه من هذا الجنس، فإن أثبت مع الزمن صموده وجدارته بالبقاء، وإلا فالأولى به أن ينمحي ويذهب مع الريح».
* عبد الجليل الحافظ: فن حديث
* القاص عبد الجليل الحافظ، يقول مدافعا: «إن مشكلتنا أننا نريد أن نحاكم الـ(ق.ق.ج) بأحكام القصة القصيرة أو الرواية، فنسأل أين العقدة وأين الحل والفارجة مع أن القصة القصيرة الحديثة انتهت من هذه الاشتراطات الكلاسيكية، فهي فن حديث ليس برواية ولا قصة قصيرة، بل هو فن سردي جديد لا علاقة له بأخبار (الأغاني) ولا (ألف ليلة وليلة)، وإن تشابه مع شيء قديم فهو ليس من باب التواطؤ، فهو لم يقُم على أسس ذلك ولا على اشتراطاته. فالـ(ق.ق.ج) تعتمد على المفارقة الفنية في كينونة الحدث السردي وعلى الاختزال اللغوي».
* ماجد سليمان: ضرب من الأخبار
* على الضفة الأخرى، يشدد القاص ماجد سليمان، على أن القصة «عوالم وزمان ومكان وصراع شخصيات وتصاعد نفسي للحدث»، وأن «ما يكتب تحت مسمى (ق.ق.ج) ليس سوى ضرب من الأخبار والحوادث اليومية، لأنها لا تقدم أدبا ناضج الفكرة سليم البنية».
وفي إجابته على سؤال لـ«الشرق الأوسط» عن مدى إيفاء مفهوم «ق.ق.ج» بمتطلبات القصة القصيرة من حيث الشكل الفني والجمالي ومن حيث المضمون، يقول سليمان: «لا أرى ضرورة التمسك العجيب بالمسميات، بالذات في ما يتعلق بالقصة لأن إطلاق كلمة (قصة) أو (قصص) كافٍ وشامل لكل أحجامها شريطة أن تفي تلك النصوص بأركان القصة وسلامة بنائها». ويضيف: «لدينا انشغال غير مقنع بالمسميات، مما أبعدنا عن نقد النص من حيث هيكله ومبناه وفكرته».
ماجد سليمان، وهو روائي وقاص وشاعر، صدرت له روايتان: «عين حمئة»، و«دم يترقرق بين العمائم واللحى»، ومجموعة قصصية «نجم نابض في التراب»، يتحدث عما يدفعه للاعتراض على هذا الفن السردي بالقول: «اعتراضي على ما يدرج على أنه قصة وهو (خبر) أو (طرفة) بضم الطاء أو (ملحة) بضم الميم، كما أسبلوا على كل خاطرة مسمى (ق.ق.ج) فباتت مركبا لكل راجل وحافٍ. ليكتبوا ما شاءوا، لكن بضوابط الفن نفسه لا بضوابطهم هم».
لكن، ألا يمكن لتجربة القصة القصيرة جدا أن تنجح، كما تطور شعر «الهايكو» في التجربة اليابانية؟ يقول سليمان إن نجاح هذه التجربة ممكن «شريطة أن لا تخرج عن (رتمها) الحركي لا أن تكون لقطة أو مشهدا جامدا كما نقرؤه». ويضيف أن اليابانيين «انشغلوا بسلامة المقاييس التي هي وعاء الفكرة، أما نحن فذهب بنا الانشغال في الحجم فقط، فتأتي أكثر النصوص صغيرة الحجم مبتورة الفكرة ناقصة المعنى غير مستوفية لأقل أركان القصة، وهذا ما هو متفشٍّ».
* من يصنع الدهشة؟
* بين موقف المؤيدين والمعارضين، يبرز موقف آخر يدعو لتطوير هذه التجربة، ومقاربتها فنيا مع العمل السردي، وفي كل الأحوال عدم التخلي عن عناصرها الجمالية. يقول الدكتور أحمد الشويخات، وهو روائي وعضو مجلس الشورى السعودي، إن موضوع القصة القصيرة جدا «يحتاج إلى بحث جاد ومعمق يتناول الجذور والممارسات والمراجعات النقدية حتى يرى القارئ والباحث ما لهذه التجربة وما عليها». ويضيف: «إن البحث في شكل ومضمون هذا الفن الآخذ بالتوسع في ظل تقنيات التواصل الحديثة، ينبغي أن لا يغفل ملاحظة جذور هذه الممارسة في التراث العربي والتراث العالمي، وخصوصا في ما يعرف بالكتابة الدنيا أو المختزلة، وكذلك الاطلاع على التجربة الأدبية التي تعاطت مع هذا الفن عالميا، ورأي النقاد في هذه الممارسات، وتحليل لبعض النماذج».
أما القاص جبير المليحان، الذي يدير موقع «القصة العربية»، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كانت الرواية تعتمد في بنائها على (المقاطع) السردية للوصف والحوار والتحليل والرسم والإنشاء والتصوير، فالقصة القصيرة تعتمد على (الجملة) التامة ذات المعنى المحدد بلغتها الوصفية الشاعرة أحيانا. وأي جملة (زائدة) فإنها ترهل النص، ويمكن الاستغناء عنها. لكن القصة القصيرة جدا تعتمد في بنائها على (الكلمة) المكثفة، فالقصة - الصغيرة كما سميتها - تشبه في كتابتها المعادلة الرياضية، فإذا كانت الأرقام صماء فإن الكلمات ذات أبعاد ودلالات في المعنى، ولذلك يجب الحرص على (الاقتصاد في اللغة) والاختيار الدقيق للكلمة التي تطابق المعنى المقصود، وتعطي للقارئ فرصة التأمل وإكمال النص، وتخيل أحداثه».
المليحان، وهو كاتب قصة قصيرة جدا، لا يجد مسوغا للاعتراض على كتابة هذا النوع من الفن الأدبي وتسميته بـ«ق.ق.ج»، لكنه يتوقع أن يكون النص «مدهشا، متسائلا، بلغة جديدة، ومبتكرة، وبكلمات مكثفة، حتى لا يسقط في العادية، ويتحول إلى الخاطرة».
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو