الوكيل - إيضاحُ الفرق بين ظاهر الأشياء والموجودات وباطنها، هو ما تعمل عليه الشاعرة الكويتية هدى أشكناني في نصها الشعري، ما أعطى كتابتها الخصوصية المنشودة، منذ النص الأوّل وحتى الأخير، إذ تنزع عن الفكرة لبوسها الفاقع لتتركها عاريةً مع إضفاء جماليّات شعريّة وتراتبية، ومن ثمّ إعادة الأشياء إلى أماكنها الجديدة:
‘ لفّهُ جيّداً
هذا القلب المسيّج بالوجع،
ثمّة حزانى سيلتقطون لهاث دمعهم
من علبة العالم
تاركينَ نبض أحلامهم على شرفة الموت..’.
ميزةٌ أخرى نجدها لدى الشاعرة، ساندت في عدم وقوع نصوصها في فخّ الرتابة والتكرار أو حتى السردية، وهي أنّ جميع النصوص قصيرة لا تتجاوز العدة أسطر، ما يمنحها الشفافية والحيوية اللغوية وتضفي الدهشة إلى نهاياتها وكذلك الاختزال الشديد واختصار المشهدية:
‘ الأعمى الذي أطفأ يديهِ آخر المساء
لأنّه مثلك مثقل
بالمعجزات/ الخلاص/ الوداع/ اليقين/ الفقد/ الغيم/
السماء/ المشهد/ الدهشة/ السقوط..
أزاح الضباب عن عينيهِ ومات’.
هدى أشكناني في مجموعتها الشعرية الجديدة ‘كنتَ أعمى’، الصادرة أخيراً عن ‘الدار العربية للعلوم ناشرون’ في بيروت، شاعرة أدركتْ ماهية الكتابة فأجادت استخدام أدواتها في رسم الواقع اليوميّ المعاش، ومن تجربة ذاتية (شخصية)، تمكنت من تحوير ما تنشغل به إلى همٍّ عامٍّ، بعد صياغته في قالب أدبي فريد، وإذ نقرؤها نشعر وكأننا ننظر في مرآة أمامنا:
‘ قَبِّلوا عيني جيّداً يا أصدقاء..
ها أنا أُغادر هذا العالم البائس
عابراً سقفه الزجاجي، ساخطاً عليه
بكل ما أوتيت من شتائم ولعنات
كانَ عليّ أنْ أعترف
إنّ ما كنتُ أعرفه عنه، قد تلاشى
بعد أنْ كوّم الجلادون أشلاء ضحاياهم خلف التاريخ
وقيّدوا الأقفال متاهة لأقدام شاردة، كلما ركلت حجراً،
ضاعتْ وضيّعت السبيل..
إنّني أُغادر الآنَ بكامل تشرّدي..
لأُصافح مجانين مثلي رحلوا نحو الضفّة الأخرى’.
تكتب هدى أشكناني بماء الرؤيا، لهذا لا نرى على الورقة سوى القليل من الكلمات المنتقاة بعناية فائقة، مقابل المساحة البيضاء الواسعة، لكأنّ الحلم هو الأثر الوحيد الذي تتركه الشاعرة/ الرائيّة خلفها:
‘ في شهر ‘أيلول’ كهذا، يكبر
شقيقي الذي ولد ومات قبلي..
لا بدّ أنّه صار وسيماً منذ ذلك الحين
وهو يمسح مرايا ‘الله’ وينهل من تبريكاتها
ثمّة نور يتّسع.. إنّه يحسّ بنا’.
ولعله من الواضح أنّ التعامل مع نصوص مجموعة ‘كنتَ أعمى’، أقرب إلى التعامل مع اللوحة التشكيلية، من جهة النظرة المشهدية، وزاوية التقاطها، فثمة ضربات فرشاة تخاطب وتحاور مخيلة القارئ، وما من أثر للقلم كأداة إبداع واقتراف الكتابة:
‘يحدث أنْ تقرأ لقاسم حدّاد ‘عندما رأسك في طريق واسمك في طريق أخرى’
وكأبله تتحسّس موضع رأسك
فتكتشف أنّ كائناً آخر قد حلّ محله..
ثمّ تنظر في المرآة،
ولأنّك تجهل مكانه الصحيح
تسير بلا طرق ولا انعطاف
ها قد ضيّعتَ الدرب الذي قطعته فلن تعود..
وحده الخوف من يعرف أنْ يجمعكما’.
ورغم تكرار بعض المفردات، كالمرآة، إلا أنها بلون مختلف في كل مرّة، وهذا يضعنا أمام قاموس لغويّ جديدٍ ومبتكر.
جديرٌ بالذكر أنَّ الشاعرة هدى أشكناني (مواليد 1986)، قد أصدرتْ سابقاً مجموعة شعرية واحدة، هي ‘سماء تبحث عن غطاء’ (دار الغاوون 2011)، كما وفازت بجائزة ‘أصوات من العالم’ الإيطالية سنة 2012، وتعمل حالياً في الصحافة الثقافية في الكويت.
الكتاب: كُنتَ أعمى – شِعر
المؤلف: هدى أشكناني – الكويت
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون بيروت 2013
الصفحات: 60 صفحة
القطع: المتوسط
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو