دخل إضراب الأسرى الفلسطينيين شهره الثاني ضمن دعم شعبي فلسطيني واسع وتجاهل رسمي وإلى حد ما شعبي عربي. إضافة للموقف البطولي الذي يقفه الأسرى في السجون الإسرائيلية، كيف نقرأ سياسيا ما يجري فلسطينيا وأردنيا وعربيا؟
أبدأ من الأردن، فهناك حالة صمت مدقع من الحكومة تجاه موضوع الأسرى ليس مبررا على الإطلاق. يبدو أن ثقافة سياسية محلية قد تبلورت في العشرين سنة الأخيرة مفادها أن معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية لا تسمح بأي انتقاد شديد للحكومة الإسرائيلية، وهذه ثقافة خطرة، وغير صحية، وهي تعطي إسرائيل ضوءا أخضر لتفعل ما تريد. وما أزال أذكر إبان وجودي وزيرا للخارجية أن المعاهدة لم تمنعنا من اتخاذ موقف صلب من موضوع حائط الفصل العنصري بالرغم من الاحتجاجات الإسرائيلية الحادة آنذاك، ولم تمنعنا أيضا من انتزاع موقف واضح ضد الاحتلال والمستوطنات، وليس ضد الحائط فقط، من محكمة العدل الدولية. من الخطورة بمكان أن تسمح الحكومة بعدم اتخاذ مواقف حازمة ضد إسرائيل حين يقتضي الأمر ذلك، ومن شأن ذلك إبعاد السلطة التنفيذية عن دعم القضية الفلسطينية التي هي من مسؤولياتنا، وإبعادها كذلك عن المزاج الشعبي العام.
أما عربيا، فإما أن القضية الفلسطينية فقدت بريقها لدى العديد من الحكومات العربية المنشغلة بأمورها الداخلية، وهو بالمناسبة انشغال يهدف إلى تشديد قبضتها الأمنية بدلا من معالجة الأسباب التي أدت للثورات العربية، أو أن تعاونها الأمني مع إسرائيل ضد إيران يمنعها أيضا من انتقاد الاحتلال الإسرائيلي، وهذا في الحالتين مؤشر خطر على ما وصلت إليه الحال العربية من أزمة حوكمة وضياع للبوصلة.
أما فلسطينيا، فإن إضراب الأسرى يجب أن يُقرأ ضمن سياقه الأوسع، وهو أن المجتمع الفلسطيني يشهد تحولا كبيرا، وهو تحول أشرت له سابقا، من التركيز على الدولة إلى التركيز على الحقوق ورفع كلفة الاحتلال، وهو تحول من المهم دراسته، بل ودعمه. ويبدو أنه في ضوء فقدان الجيل الفلسطيني الجديد الأمل في إزالة الاحتلال الإسرائيلي في وقت قريب، إضافة لفقدانه الثقة في جميع قياداته الرسمية، سواء كانت السلطة الوطنية الفلسطينية أو حماس، فإنه يتجه وبازدياد لأخذ زمام الأمور بيده والمطالبة بحقوقه المدنية والسياسية، إضافة لرفع كلفة الاحتلال المنخفضة جدا ومحاولة جر إسرائيل لمحكمة الجنايات BDS بما في ذلك حملة مقاطعة البضائع الإسرائيلية الدولية.
هكذا يجب أن يُقرأ إضراب الأسرى الفلسطينيين، ليس باعتباره محاولة يائسة من الأسرى، بل باعتباره تجسيدا لمقاربة فلسطينية شعبية جديدة ضد الاحتلال، مقاربة لم تعد معنية بالموقف الرسمي الفلسطيني أو العربي ولا بالممارسات الإسرائيلية التي اعتادت على عدم دفع كلفة عالية للاحتلال.
هكذا أيضا ينبغي أن نقرأ المشهد أردنيا، ونقر أن المقاربة الماضية من إسرائيل استنفدت ولم تنجح في إزالة الاحتلال. إسرائيل اليوم ليست إسرائيل التي تفاوضنا معها قبل خمسة وعشرين عاما.
المقاربة الأردنية اليوم يجب أن تذهب أيضا باتجاه رفع كلفة الاحتلال، وليس باتجاه توقيع اتفاقيات كتوريد الغاز ورفع مستوى التعاون مع إسرائيل.
لن ينجح الأردن في الاستمرار بمقاربة تتجاهل الاحتلال الإسرائيلي والممارسات الإسرائيلية الفاضحة، وقد حان الوقت لمقاربة جديدة تعامل إسرائيل كدولة احتلال وليس كدولة صديقة أو حتى محايدة.
حان الوقت لأن ندرك أن إسرائيل لا تنوي إزالة الاحتلال ولا تنوي إقامة دولة فلسطينية، وهي تشتري الوقت فقط بينما تتباهى بعلاقاتها العربية. وفي هذا تهديد كبير ليس للمصالح الفلسطينية فقط، ولكن الأردنية أيضا. لن يأتي الاستقرار الأردني الذي نبغيه إلا عن طريق تحصين جبهتنا الداخلية، وليس عن أي طريق آخر.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو