الأحد 2024-12-15 02:23 ص
 

لكي نضع أصابعنا على الجرح

08:35 ص

يعتقد بعضنا أنه لا يوجد للتطرف والارهاب الذي يداهمنا في كل مرة « منطق « يمكن ان نستند اليه، لا على صعيد التشخيص والفهم حيث تبدو لكل حالة خصوصيتها وظروفها، ولا على صعيد المعالجة حيث من الصعب ان نشير الى (صيدلية) ما لصرف ما نحتاجه من ادوية دون ان نفترض امكانية عدم الشفاء.اضافة اعلان

هذا صحيح من حيث النتيجة، لكن ذلك لا يعفينا من مسؤولية المزيد من البحث عن أسباب هذه الظاهرة من خلال التغلغل داخل مجتمعنا لاكتشاف بؤره وفك «شيفرته» وتفحص تربته وتعهدها بما يلزم من عناية ورعاية لكي لا يخرج علينا منها مزيد من العفاريت والاشباح.
تلك بالطبع مهمة الباحثين والمختصين في مجالات علوم الاجتماع والنفس والتربية وغيرها، ومهمة الدولة بمؤسساتها وأجهزتها ونخبها ايضاً، لكن انجاز هذه المهمة يحتاج الى ارادة شجاعة تضع اصبعها على الجرح تماماً دون مجاملة او خوف، والجرح المقصود هنا هو (النظام العام) الذي يشكل منطقة النفوذ والحركة لاي مجتمع، وبقدر ما كان سليماً ومحصناً، بقدر ما زادت ثقتنا بصحة مجتمعنا وعافيته.. أما حين يطرأ عليه أي خلل فان بمقدورنا ان نتوقع ما هو أسوأ مما نراه اليوم يثير دهشتنا وحيرتنا وتساؤلاتنا ايضاً.
مع كل قصة (عنف) سواء اكان على شكل ارهاب سافر ضد المجتمع او ارهاب اصغر ضد افراد من المجتمع (جرائم القتل وخاصة داخل الاسرة الواحدة) كنت اسمع دائما من يقول لا يوجد سبب واحد حقيقي وجوهري يدفع هذا الى قتل ذاك، او يبرر استنفار هؤلاء ضد اولئك، بل ان وراء اكبر الجرائم التي يتسبب بها العنف يوجد احيانا اسباب تافهة - مع الاعتذار لاستخدام الكلمة - فلماذا - اذن - يجنح بعضنا الى استخدامه، وكيف يمكن ان تقتنع بان ثمة اسباباً معتبرة قد تدفعهم اليه؟
وما دام انه لا يمكن ان نختزل مثل هذه الاسباب في جوانب دينسية او اقتصادية اوسياسية او اجتماعية.. الخ، حتى وان كانت خيوطها وظلالها موجودة فعلا، فكيف يمكننا ان نفهم ما يحدث؟
الاجابة، بالطبع سهلة، فهي كما قلت متعلقة بالخلل الذي اصاب (النظام العام) في مجتمعنا، والنظام العام مثله مثل «المناعة» التي تحتاج اليها اجسادنا، مع اننا لا نلمسها ولا نراها ولكنها المسؤولة - اولا واخيراً - عما يصيبنا من امراض، اذا تراجعت عجزت اجسامنا عن مواجهة ما يعترضها من فيروسات وجرائم واذا تعهدناها بالعناية حفظتنا من كل مكروه.
النظام العام لأي مجتمع هو حصيلة كل ما يتعلق بالمجتمع من قيم وقوانين واقتصاد وعلوم وتعليم وثقافة ومناخات ومشاعر.. الخ، وأي خلل يطرأ على دائرة من هذه الدوائر المترابطة والمتفاعلة يترتب عليه خلل آخر، وهكذا على شكل متتاليات حسابية.. ولو اردت ان اضرب مثلا هنا لقلت بان الخلل الذي قد يطرأ على قيمة العدالة سينسحب فوراً على ما يحدث من عنف في مجتمعنا.. كما ان أي خلل يصيب (أذواق) الناس يترتب عليه ايضا عنف من شكل آخر رغم اننا لا نلمسه ولا نضعه في حساباتنا البحثية.
اصلاح النظام العام يحتاج الى اصلاح شامل لمنظومة القيم في المجتمع، واصلاح للمناخات العامة التي يفترض أن توفر لهذه القيم ما تحتاجه من قنوات للحركة وفضاءات للتنفس، وربما كنا وقعنا في خطأ تربوي حين كنا نعيد - وما نزال - بأن اصلاح المجتمع يبدأ باصلاح الفرد.. وهذا غير صحيح اذ ان اصلاح النظام العام (المجتمع بقيمه ومناخاته وادواته) مقدم على اصلاح الفرد، وسابق عليه.
هل نستطيع - يا ترى - ان نعيد وفق هذه القاعدة تشخيص وفهم ظاهرة العنف بكافة تجلياتها البشعة، وهل يمكن ان نجيب عن سؤال الانتحار الذي لا يمكن ان يحسم باجابة واضحة، مهما كانت الاسباب التي تقف وراءه ؟ الاجابة واحدة تتعلق (بالنظام العام) وما اصابه من عطب، سواء على صعيد الفرد او المجتمع.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة