بدأت طهران بصياغة “استراتيجياتها” منذ انطلاق الثورة “1979” على اساس فكرة “الحكومة الاسلامية العالمية” التي قدمها الامام الخميني، وفق نظرية “تصدير الثورة” إذْ اشار الى الطبيعة “الكونية” لهذه الحكومة والى ضرورة “تعميم” الثورة لتحقيقها، باعتبار ايران هي “النموذج” الصالح لانجازها، لكن هذه الرؤية جرى “تطويرها” من قبل مهندس السياسة الايرانية “محمد جواد لاريجاني” وقد كان بالمناسبة من أوائل من دعا الى ضرورة “التقارب” مع امريكا والغرب، وفصل من منصبه بسبب هذه الدعوة، “شغل لاحقا رئيس مجلس الشورى”، ففي كتابه “مقولات في الاستراتيجية الوطنية” قال لاريجاني إن ايران هي “ام القرى” وبالتالي فانها تشكل “مركزا” للعالم الاسلامي، وهزيمتها او انتصارها هزيمة أو انتصار للإسلام كله، ومن هنا لا بد من الحفاظ عليها ليس فقط داخل حدودها وانما في اطار “رسالتها” العالمية، وعليه فقط طرح فكرة “التمدد الجغرافي” باعتبار ان نجاح اي “امبراطورية” يعتمد على قدرتها على توسيع حدودها، واطلق على الحكومة المناط بها تحقيق ذلك “الحكومة الاسلامية العملية” والعملية هنا هي البديل عن “العالمية” التي اشار اليها الخميني.
لكي تتكيف ايران مع طموحاتها الجديدة بدأت في الداخل “بالانقضاض” على المجتمع وحاولت ان تخضعه او تؤهله -على الاقل- لتحمل الاعباء المتوقعة لحروب طويلة تحتاج الى جبهة داخلية اقوى وديمقراطية اقل، ثم تحركت في الخارج” للانقضاض” على فكرة الخوف والعداء التي ترسخت عنها لدى الاخر، سواء بسبب الثورة وما رافقها من شعارات او بسبب النووي الذي اثار الهواجس من حولها، فتوصلت الى اتفاق(1+5) مع الدول الكبرى الذي مهّد الطريق للصفقة الكبرى التي ما تزال معلقة حتى الان، وفي موازاة ذلك كانت ايران انتهت فعلا من الانقضاض على العراق بوضع يدها على “ السلة “ والحكم ، ومن لبنان بتتويج حزب الله فاعلا اساسيا في المعادلة السياسية اللبنانية ووكيلا عنها في المنطقة، ومن فصائل المقاومة الاسلامية (حماس والجهاد) بتحالف رفع اسهمها في حربين خرجت منهما غزة بنصف انتصار على الاقل.
جاءت الثورة السورية وكانت (هدية) لايران لكي تتقدم وتضع قدمها في المنطقة، لم تفوت الفرصة بالطبع وانما استثمرتها بشكل لافت، ومع انها دفعت ثمنا اقتصاديا يفوق قدرتها على تحمله(خاصة بعد انخفاض اسعار النفط) الا انها حققت عوائد سياسية مكنتها من الوقوف على اقدام الندية مع اللاعبين الكبار في لعبة الصراع داخل سوريا وعليها، ثم جاءت الثورة اليمنية فاغرتها ايضا بالدخول على الخط من خلال بوابة الحركة الحوثية التي استطاعت بعد عامين ان تكسر اسوار صنعاء وتفرض وجودها على السلطة.
“ام القرى” الان بسطت نفوذها -بشكل كلي او جزئي- على اربعة دول عربية، واستقطبت حماس والجهاد اليها ، “وطلقت” الاخوان المسلمين وقطعت الحبل السري الذي كان يصلها بهم ، وانضمت بشكل غير رسمي الى التحالف الدولي ضد “داعش” ،هذه التي تشكل اكبر تهديد لها ، ثم انها نجحت بتشكيل جيوش شعبية بديلة في العراق واليمن ولبنان، وودعت عصر الثورات التي تخاطب الجماهير لتدخل عصر الامبرطورية التي تتكلم من فوق وتفرض اوامرها على الخصوم والجيران معا.
لا شك ان ايران السلطة ربحت، لكن لا بد ان نتذكر بان الجغرافيا التي تمددت عليها كانت رخوة تماما، فقد تشكلت في ظل تحولات عربية انتهت الى سقوط انظمة وبروز حركات متطرفة وعموم حالة من الفوضى، وهذا كله مؤقت، كما لابد ان نتذكر ان ما فعلته ايران كان مجرد عملية “ابتلاع” لجغرافيا ومناطق نفوذ مزدحمة بالمصائد ابتداء من مصيدة المذهب الى مصيدة التاريخ الى مصيدة القهر، وهي بالتاكيد لن تستطع ان تنجو من هذه المصائد في المدى البعيد، كما ان “هضم “ اللقمة العربية ذات الكتلة السنية الكبيرة تبدو بالنسبة لايران مغامرة وربما عملية انتحار.
ماحدث في ايران من احتجاجات، بدأت اقتصادية ثم تطورت واتسعت سياسيا، يعني ،ربما، ان ما فعلته طهران للتكيف مع طموحاتها السياسية كان مستعجلا ولم يكن مدروسا، والسؤال هل ستعيد النظر مرة اخرى في خياراتها التي قامت على “الانقضاض” ام انها ستسمر، ثم ماذا عن علاقتها بجيرانها، هل ستتغير ايضا؟
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو