من خلال عملي الدبلوماسي في وزارة الخارجية الاردنية الذي قارب الثلاثون عاما حضرت اثناءها معظم مؤتمرات القمة العربية ابتداء من مؤتمر قمة عمان في عام 1980 وشاركت في اغلب الوفود الوزارية على مستوى وزراء الخارجية او وزراء خارجية الدول الاسلامية وخاصة تلك المؤتمرات التي انعقدت في المغرب تحت عنوان لجنة القدس التي انبثقت عن منظمة المؤتمر الاسلامي في حينه بعد حريق المسجد الاقصى عام 1968، ولاحظت ان معظم مؤتمرات القمة العربية الي انعقدت في العاصمة الاردنية عمان كانت الاكثر نجاحا والاكبر اهمية وتأثيراً، واستطيع بكل تواضع ان احصر الاسباب التي ادت الى هذه النجاحات بما يلي:
1- الالتزام الاردني الكامل بميثاق جامعة الدول العربية والانخراط الحقيقي بقرارات الجامعة على مستوى القمة او على المستوى الوزاري.
2- القيادة الحكيمة المقبولة عربيا ودوليا التي تميز بها الهاشميون ونالوا بها اعجاب رؤساء ودول العالم باعتدالهم وحنكتهم ومواقفهم الانسانية وكانت هذه القيادة هي المرجعية الوحيدة لكل الاردنيين بلا استثناء.
3- لان المصلحة القومية كانت دوما في المقدمة وعلى حساب المصلحة الوطنية الاردنية وكانت عمان عاصمة الوفاق والاتفاق، ونجحت في اسوأ الظروف والاحوال في تمكين الاطراف العربية من تخطي العقبات وتجاوز الخلافات واقناع القيادات المتنافرة بالجلوس معا على طاولة الحوار والمشاركة في اتخاذ القرارات المطلوبة.
4- إيمان المملكة الاردنية الثابت بجدوى وفائدة وجود جامعة الدول العربية باعتبارها المنبر الشرعي الوحيد الذي يعبر عن الإرادة المشتركة للامة العربية والوسيلة الصالحة التي يمكن من خلالها الدفاع عن الامن القومي العربي وصون المصالح والحقوق العربية.
5- تمسك القيادة الاردنية الهاشمية بجعل قمة عمان قمة فلسطين والقدس باعتبار القضية الفلسطينية هي القضية المركزية الاولى وحل المشكلة الفلسطينية وانهاء الاحتلال هو مصلحة وطنية اردنية كما هو مصلحة وطنية فلسطينية، رغم الاحداث الخطيرة والتطورات المؤسفة التي تعرضت لها بعض الدول العربية الشقيقة.
6- الادارة الكفوءة والحازمة التي قادت بها الرئاسة الاردنية للقمة والترتيبات عالية المستوى التي مهدت لبعض المصالحات الضرورية وخاصة المصالحة السعودية المصرية، وتمكين رؤساء الوفود من طرح قضاياهم امام القمة بكل صراحة ووضوح.
7- تأكيد جلالة الملك رئيس القمة امام العالم ان جميع مشاكل المنطقة ناجمة عن عدم حل القضية الفلسطينية, وان لا سلام ولا استقرار في هذه المنطقة بدون حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً وشاملاً, وان القدس والمقدسات الاسلامية والمسيحية تحت الوصاية الهاشمية وهذا مبدأ ثابت ومستمر في السياسة الاردنية.
8- التجاوب الايجابي من قبل القيادة الفلسطينية والاعتراف بالجميل لجلالة الملك عبدالله الثاني ومواقفه الشجاعة من اجل عودة الحق الفلسطيني واعادة الامل لبناء فلسطين بثه جلالة الملك بخطاب سياسي ودبلوماسي عربي وأردني سوف يقوم جلالته بتوجيهه للعالم في الغرب والشرق على حد سواء والذي من شأنه إحداث التغيير على صعيد فهم القضية الفلسطينية والمآسي التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال, بعد ان نجح جلالة الملك في التأثير على موقف الادارة الاميركية الجديدة في موضوعي الاستيطان ونقل السفارة الاميركية الى القدس, كما نجح جلالته قبل ذلك في ادارة معارك سياسية ودبلوماسية متعددة على مستوى المنظمات والهيئات المختلفة مثل الاتحاد الاوروبي والبرلمان الاوروبي واليونسكو والامم المتحدة ومجلس الامن وغيرها.
9- من المنتظر ان تقوم رئاسة القمة بحركة جديدة في العمل العربي المشترك بعد عودة الامل للشعوبة العربية بأن تحقيق التضامن العربي واحياء عناصر النظام العربي ليس امراً مستحيلاً وان المعركة المقبلة رغم خطورتها وصعوبتها بات بالامكان كسبها بالحكمة والمرونة والشجاعة التاريخية المعروفة لدى القيادة الهاشمية التي تترأس القمة العربية الحالية.
10- جدد المؤتمر التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية وعلى الهوية العربية للقدس الشرقية المحتلة عاصمة لدولة فلسطين واعادة التأكيد على حق دولة فلسطين بالسيادة على كافة الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية ومجالها الجوي ومياهها الاقليمية وحدودها مع دول الجوار, وأكد المؤتمر كذلك على تمسك الدول العربية بمبادرة السلام العربية كما طرحت في قمة بيروت عام 2002 وعلى ان السلام العادل والشامل هو خيار استراتيجي وان الشرط المسبق لتحقيقه هو انهاء الاحتلال الاسرائيلي لكامل الاراضي الفلسطينية والعربية التي احتلت عام 1967 وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه غير القابلة للتصرف.. ومطالبة المجتمع الدولي بتنفيذ قرار مجلس الامن رقم 2334 لعام 2016 الذي أكد ان الاستيطان الاسرائيلي يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وعقبة في طريق السلام, وادانة سياسات الحكومة الاسرائيلية الهادفة الى القضاء على حل الدولتين ومتابعة حصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة في الامم المتحدة.
11- والحقيقة ان إنعقاد هذه القمة في ظل هذه الظروف الصعبة والقاهرة هو انجاز بحد ذاته ومكسباً تاريخياً يسجل للملك وللحكومة والشعب والجيش لان عقده في عمان الواحة الآمنة وسط هذا الجحيم من النار والقتل والدمار في المنطقة وفي ظل كارثة قومية لم نعرف مثلها من قبل، استطعنا رغم ذلك جمع كلمة العرب في قمة اقرب الى الوفاق والاتفاق ولاننا حققنا المستحيل فقد رضينا بالممكن باعتباره انجازا قوميا كان من المستحيل تحقيقه لو تركت الامور على ما هي عليه من ضعف وعجز وفرقة وانهيار متواصل لكل القيم والمبادئ التي قامت عليها حضارتنا وثقافتنا العربية.
12- وبعد القمة نشعر نحن اهل الاردن وهو الجزء النابض في جسد الامة العربية بالفخر والاعتزاز لاننا قمنا وبالنيابة عن دولنا وشعوبنا العربية بما هو الافضل لبقاء واستمرار الوجود لهذه الامة وعدم الاستكان للواقع المخزي الذي وصلنا اليه منذ هبوب عاصفة ما سمي ظُلما بالربيع العربي سيء الذكر. ولا نستطيع في هذه الاوقات الهامة من تاريخنا الا ان نبدي اعتزازنا بعودة الامور الى وضعها الطبيعي بين بعض الدول العربية وفتح الباب امام الدول الاعضاء الاخرى التي لا زالت علاقاتها متعثرة بعض الشيء مع بعضها البعض بعد ان سمح لقاء القمة المزيد من المصارحة والمكاشفة بين الجميع واصبح من غير المقبول عدم المشاركة في هذا اللقاء القومي الكبير الذي لم يستبعد الا وفد سوريا الشقيقة التي كانت الغائب الحاضر في وجدان كل الحضور وكان الاجماع بان الحل في سوريا يجب ان يكون سياسيا وبعيدا عن الحلول العسكرية والأمنية التدميرية.
13- ولا بد ان أشير هنا الى ان احدى النتائج الايجابية لهذا المؤتمر كان اللقاء الذي ضم اقرب رؤساء الدول المعنية بالقضية الفلسطينية وهي الاردن ومصر وفلسطين والاتفاق بينهم على مواصلة الحوار مع الادارة الاميركية الجديدة بقلب ولسان واحد وكان من المظاهر اللافتة والمؤثرة لقاء جلالة الملك عبدالله الثاني مع الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب الذي وصف جلالة الملك بالمحارب العظيم وان كرم الشعب الاردني يُضرب به المثل وان الاردن شريك قوي للولايات المتحدة ومدافع عن القيم الحضارية ومصدر للاستقرار والامل، وأشاد بشجاعة الجيش الاردني وتقديمه التضحيات الهائلة. وأعلن التزام الولايات المتحدة بدعم الاردن ومساندته، وبين ان الاردن يحظى بدعم كبير من الولايات المتحدة وانه ملتزم بالحفاظ على علاقات قوية مع الاردن، وشاهد الاردنيون وكل العرب استقبالا وتقديرا واحتراما لا مثيل له لجلالة الملك من قبل الرئيس ترامب بعد ايام من الترقب والانتظار لما ستكشف عنه مواقف وسياسات الرئيس الجديد للولايات المتحدة مما اعطانا الامل بمستقبل واعد وتفهم عميق لمشكلات المنطقة وطرق حلها.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو