الجمعة 2024-12-13 03:18 م
 

ليلة سقوط برشلونة!

10:44 ص

كان للخسارة القاسية لفريق برشلونة على أرضه، من غريمه التقليدي ريال مدريد، أثر مدوّ في الشارع الأردني، ليلة أول من أمس؛ فنامت شريحة واسعة من المجتمع على حالة عميقة من الحزن، وأخرى على نشوة الفوز والانتقام!اضافة اعلان


لم ينجُ العالم الافتراضي من تداعيات هذا الحدث؛ فهيمنت نتيجة المباراة على صفحات العالم الافتراضي، من مناكفات حادّة بين أنصار الفريقين إلى روح الفكاهة (التي باتت تعيد تقييم حالة الشارع الأردني من مجتمع عبوس إلى صاحب نكتة يستنبطها من قلب الحدث). ولم يتردّد البعض في إسقاط نتيجة المباراة على الوضع السياسي العربي والمحلي، بروح فكاهية عالية!

اهتمام الشارع –عموماً- بهذا الحدث الرياضي الخارجي لا يقارن بأيّ حالٍ من الأحوال باهتمامه بالحوارات والمفاوضات، والأخذ والرد بين الكتل النيابية لتسمية رئيس وزراء الحكومة الجديدة التي من المفترض، وفقاً لخريطة الطريق الرسمية، أن تكون فاتحة عهد سياسي جديد، عبر ترسيخ نموذج الحكومة النيابية، في حقبة الربيع العربي.

المفارقة تكمن في أنّ ليلة سقوط برشلونة أول من أمس مرّت ببطء، وبصدى وصخب كبيرين، بينما ليالي 'سقوط البرلمان'، والحالة الانشطارية وهشاشة الكتل، وغلبة الطابع الفردي والمصالح الشخصية، وفشل ائتلاف الأغلبية في تسمية رئيس الحكومة الجديدة، وتفكك هذا التحالف غير الصلب أصلاً، وخلط الأوراق من جديد.. هذه الليالي مرّت بدون أن يتحدث عنها أحد، أو تسمع بها غالبية المواطنين!

بالضرورة، ليس من المتوقع أن نجد اهتماماً شعبياً كبيراً بالنقاشات النيابية السياسية. إلاّ أنّ حدثاً مثل هذا في حقبة الربيع العربي، وفي المرحلة الانتقالية الحسّاسة التي تعيشها المنطقة، كان يفترض أن يصبح محط أنظار الشارع، فقط لو كان الناس مقتنعين فعلاً بأنّ النتيجة ستحدث فرقاً نوعياً أو تغييراً حقيقياً، أو أنّ الحكومة الجديدة هي بالفعل نقطة تحول في المسار السياسي العام!

'العزوف' الشعبي الملحوظ عن متابعة مناقشات مجلس النواب ومخاض تشكّل الحكومة الجديدة، يعكس حالة من 'الاغتراب السياسي' التي تستبطن بدورها استمرار حالة عدم الثقة بالعملية السياسية ومخرجاتها؛ وكذلك عدم قدرة الدولة على تغيير قناعة الناس بأنّنا بالفعل أمام مرحلة جديدة مختلفة، ذات قيمة مضافة جديدة حقيقية، وليس فقط تدوير للأسماء نفسها.

ليس غريباً أن يكون هنالك جمهور عريض يتابع الفن الكروي والمهارات المتميزة لفريقين بحجم برشلونة وريال مدريد، فهذه ظاهرة عالمية تعكس هوساً كونياً بكرة القدم. الغريب -حقّاً- عندما ننظر بالعين الأخرى إلى الشأن المحلي، هو أن نجد أنّ ما يجري اليوم في أروقة البرلمان والحكومة لا يصل حتى إلى درجة إثارة الفضول لدى الشارع، وكأنّها مباراة تقليدية مملة، مقارنةً بمباريات الريال وبرشلونة!

بيت القصيد أنّ هذه 'اللامبالاة' تقف على الطرف الآخر من المعادلة الاقتصادية-الاجتماعية والسياسية على السواء، والتي تتميّز بالاحتقان والقلق، والشروط الاقتصادية الصعبة والمتوقعة، وتعكس فشلاً مزدوجاً لكلّ من مطبخ القرار (من جهة) بإقناع الناس بجدية الإصلاح، ما يعيد للعبة السياسية شرعيتها من جديد عبر الانتخابات والإصلاحات والبرلمان، وللمعارضة السياسية (من جهة أخرى) التي عجزت عن تحريك الشارع نحو مطالبها، فعانى الحراك خلال الأشهر الماضية من ضمور كبير!

بعد عامين من 'الثرثرة السياسية'، نجد أنفسنا أمام مجتمع يفقد الأفق بتغييرات سلمية نوعية لتحسين الشروط السياسية والاقتصادية. فإذا كان البعض ينظر إلى هذا المشهد بأنّه مطمئن، فإنني أعتقد أنّ الوجه الآخر له مقلق جداً!

[email protected]
الغد


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة