مع نهاية العام الحالي يبدو أن العديد مما شهده عامنا الراهن من أحداث قد تجاوز التوقعات والسيناريوهات سواء في القضايا الإقليمية أو الدولية، ما يعني أن عصر التنبؤ بالتحولات قد تراجع كثيرا، وثمة فوضى غير مسبوقة في التفاعلات على الرغم انها قد تبدو فوضى منظمة.
هناك حاجة اليوم لقدرات ابتكارية وغير عادية في تقدير المواقف وبناء التوقعات والإشارة إلى أين تسير الأحداث، مع نهاية هذا العام نكتشف كما ثبت في آخر خمسة أعوام أن العالم يشهد تغيرا جذريا ولكنه غامض في القوى الفاعلة على الأرض، بينما ما تزال الدول والكيانات تتصارع وتتعاون على نفس القضايا وفي المجالات ذاتها. تقدير الموقف في هذه المرحلة يحتاج رؤية متعددة المداخل لا تكتفي بالأمني والسياسي والاقتصادي، بل تتجاوز ذلك لفهم الآليات الاجتماعية والثقافية التي تصوغ التفاعلات الجديدة والقوى الفاعلة الجديدة، وتنتبه إلى الأجيال الجديدة من الشباب وفهمهم للعالم الجديد من جهة، وتصورهم للذات والمستقبل في ضوء ما يحيط بهم من ظروف سياسية واقتصادية.
هناك فرق بين تقدير الموقف القائم على إدراك كافة تفاصيل المشهد والقادر على بناء خارطة توقعات ذكية، وبين الركون إلى الطمأنينة الزائفة. كما أن هناك فرقا بين التقدير الاستراتيجي والمغامرة الاستراتيجية؛ فالجماعات الاختراقية الصغيرة ستكون أحد أبرز أشكال التهديد القادم، وقد لا يشترط ارتباطها المباشر بالتنظيمات الكبيرة أو المؤسسات والكيانات، والعوامل المؤثرة والفاعلة غير المعلومة ستزداد مساحة حضورها ليس لشيء أكثر من عدم القدرة على تحديد من هم الفاعلون الحقيقيون في الأحداث.
لعل أبرز سمة قابلة لوصف التوقعات السياسية والاستراتيجية للعام الجديد هي عدم اليقين والشك في الكثير من السيناريوهات والاحتمالات المرجحة التي تتردد حاليا، فقد تعلم العالم من خبرة السنوات الأخيرة أن هناك احتمالا كبيرا دوما لتغيير التوقعات رأسا على عقب، وبروز تحولات غير مدركة وخارج دائرة الحدس السياسي والاستراتيجي تغير مسار الأحداث تماما، أو بروز ظواهر غير متوقعة تتجاوز نظم المراقبة وبناء التوقعات.
عكس ما قد يتوقع كثيرون تزداد الحاجة اليوم للمزيد من تنمية الخيال السياسي في عصر اللايقين وفقدان الشعوب ثقتها بالنخب وتحجيم دور المؤسسات، يبدو العالم العربي أحد الأمثلة الأكثر وضوحا لفقر الخيال السياسي لدى النخب، فمنذ ثلاثة عقود تعصف بالمنطقة الصدمات والمفاجآت دون أن تطور قدراتها في إدراك ما يحدث حولها، ولعل الثورات والتحولات العربية وما آلت إليه المثال الأبرز في هذا المجال، وهذا ما ينسحب على تحولات الطاقة وأزمة أسعار النفط والعلاقات الدولية والإقليمية، وتمدد الدور الروسي وتحولات الإسلام السياسي وحركات التطرف.
بالطبع الخيال السياسي الجماعي لا يقصد به الخيال السياسي الفردي الذي طالما مارسه الأفراد في الأنظمة الشمولية، ولا الإفراط في التشريق والتغريب في الأوهام والضلالات بدون أساس علمي أو منطقي، الخيال الجماعي يعني قدرة النخب السياسية على استشعار مصادر التهديد واكتشاف الفرص، أي الاستثمار السياسي في إبداع الأفكار الجديدة المختلفة، والاستثمار في القدرة على قراءة الماضي وتفسير الحاضر وإعادة تعريف المصالح، وأحيانا البحث عن أدوات مختلفة لقراءة التحولات، الخيال السياسي يختلف تماما عن الأوهام السياسية، حينما يعبر عن إرادة ورغبة في تجاوز الأزمات والبحث عن حلول مبتكرة وغير تقليدية.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو