أعاد القرار الحكومي الأخير؛ بإخضاع التمويل الذي تتلقاه مؤسسات المجتمع المدني لمراقبة حكومية مباشرة، النقاش حول دور المجتمع المدني الأردني ومكانته إلى المربع الأول. وللأسف، يأتي هذا القرار بعد أن قطعت العلاقة بين المجتمع المدني والدولة، في السنوات الأخيرة، خطوات إيجابية؛ زادت نسبيا من قوة المجتمع المدني، والتي انعكست إيجابيا على قوة الدولة وعلاقتها بالمجتمع بشكل عام.
نحن بحاجة ماسة إلى تطوير حاكمية مؤسسات المجتمع، وتطوير قدراتها في صنع القرارات بكفاءة، وتحصينها ضد كل شبهات الفساد. وعلينا تذكر أن ميثاق النزاهة الوطنية قد أشار، في أكثر من موضع، إلى الحاجة لتطوير أدوات لمساءلة مؤسسات المجتمع المدني، لتحصينها ضد شبهات الفساد. لكن قبل المساءلة، تأتي الحوكمة الداخلية. فيما المفارقة أنه في الوقت الذي نتحدث فيه عن حوكمة ومساءلة، تقوم الحكومة بفرض رقابة مسبقة، تتيح التدخل في شؤون الجمعيات والمؤسسات المدنية. والمفارقة الأخرى، أن الحكومات لم تتحرك في السابق لمتابعة أوضاع المؤسسات المدنية التي أثيرت حولها شبهات في التمويل، وتحركت اليوم في سياق دولي يرتبط بتدفق التمويل الأجنبي على منطقة الشرق الأوسط، والذي دفع بعض الدول إلى اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه، مثلما حدث في مصر والمغرب وغيرهما.
التعليمات الجديدة تطبق المقولة الشعبية 'البلاء يعم والرحمة تخص'؛ فلا يمكن معاقبة نحو خمسة آلاف مؤسسة مدنية بجريرة بضع مؤسسات. بمعنى أننا أمام إجراءات بيروقراطية تجعل من هذه المؤسسات مجرد هوامش للمؤسسات الحكومية، وتتيح المجال للتدخل في سياساتها وبرامجها، حينما تبرر هذه الإجراءات بالأهداف الإنمائية. وإذا ما أخذنا السياق السياسي والإقليمي والدولي الذي بات يتابع عمليات التمويل الخارجي، فإن هذه الإجراءات حتما تنعكس سلبا على موقف الأردن وسمعته في ملف الحريات وحقوق الإنسان.
مؤسسات المجتمع المدني بدورها لم تحضّر درسها جيدا، ولم تستفد من عثراتها؛ كم من هذه المؤسسات تُعلن عن مصادر تمويلها بشفافية وبشكل دوري؟ وكم من هذه المؤسسات طورت منظومة حوكمة داخلية تحصنها من الفساد والشبهات؟
صحيح، حققت مؤسسات المجتمع المدني إنجازات نسبية، وطوّرت من علاقتها بمؤسسات الدولة مع زيادة قوة مشاركتها في المجال العام، إلا أن هذا القطاع ما يزال يحتاج إلى تنمية حقيقية، تنطلق من الإيمان بأن المجتمع المدني القوي قوة للدولة، مقابل أن المجتمع المدني الضعيف هو إضعاف للدولة. علينا أن ننظر إلى الدول التي حاصرت تاريخيا المجتمع المدني، مثل سورية، مقارنة بدول أخرى كان المجتمع المدني فيها أكثر عافية، مثل المجتمع المدني المجاور القوي في لبنان، والذي حمل الدولة والمجتمع وحافظ على تماسكهما، في الوقت الذي تراجعت مؤسسات الدولة وهشمتها الأزمات السياسية.
نحن بحاجة إلى مسار جديد لتنمية المجتمع المدني الأردني، لا فرض المزيد من التضييق عليه. نحن بحاجة إلى تطوير حضور التنظيمات المدنية في المحافظات، وزيادة حجمها وفعاليتها؛ وتوفير المزيد من فرص المشاركة أمامها على أقل تقدير. نحن بحاجة إلى مضاعفة أعداد الجمعيات والمؤسسات المدنية خلال السنوات العشر المقبلة إلى ثلاثة أضعاف؛ ففي دولة مثل المغرب هناك نحو مئة ألف جمعية ومؤسسة مجتمع مدني.
علينا أن نستفيد أكثر من التحولات العميقة التي شهدها المجتمع المدني في العالم خلال العقود الثلاثة الأخيرة، نحو إضفاء المزيد من القوة للدولة. إذ لم يعد المجتمع المدني مولّدا لحركات الاحتجاج الاجتماعية التقليدية القائمة على الغضب أو العنف، بل أوجد أدوات جديدة للتغيير، قامت على تطوير مفاهيم الاحتجاج الإيجابي الذي اندمج مع أدوات الدبلوماسية الجديدة على المستويين المحلي والدولي؛ وعلى بناء أنماط من الثقة والمشاركة. فلا يمكن اليوم تصور نجاح التنمية والمشاركة المجتمعية والديمقراطية، من دون مجتمع مدني قوي.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو