الوكيل - ‘أصيلة’ وهي تنام بلا قلق على ضفة الأطلسي، لا يُغْنِيكَ عَظِيمُ اسمها عن عَجيب رسمها ومعالمها البهيّة..
من الأصيل عند الأصيل تشكّلت ألوانها وأزهرت بهجة الحياة فيها…مهوى العشاق وعَبَدَة الحياة …ترياق الهم والمتاعب… بشارة حبّ لكلّ قادم من البحر والبرّ والجوّ ومأوى كل غريب بأرض المشرقين والمغربين…سليلة القدم تُطاول الزمان عنادا وشموخا وتنهل من عبقه وتفنى في سحر مفاتيحه…الدور فيها حكاية شرقيّة أندلسيّة غربها شرق وشرقها غرب، ترسم مساحة من الحب المغربي والحنين الدافئ…نسائمها بعض من لطف المغاربة.وأزقتها متاهة في رحاب الفن…هكذا أراد لها أهلها وهكذا حلم أحد أبنائها بأن يرى أعلام كل بلدان العالم ترفرف في ساحاتها.وفي أصيلة العاشقة المفتونة بألوان من الفنون تراكمها وتعاشرها بكلّ الصيغ الكونيّة كان لنا لقاء مع ‘محمد بن عيسى’ وزير الخارجية المغربي الأسبق وأمين عام منتدى أصيلة الذي حوّل مدينته الصغيرة إلى مرفإ للفكر والثقافة الكونيّة والفنون.
*السيّد محمد بن عيسى وزير الخارجية المغربي الأسبق ورئيس منتدى أصيلة تعيش أصيلة هذه السنة الدورة 35 من موسمها الثقافي. كيف وفقت في الصمود طوال هذا الوقت؟ وكيف أمكن لك أن تجعل من أصيلة هذه المدينة الصغيرة مَحْملا من المحامل الفنيّة لا في الوطن العربي فحسب بل في العالم؟
*دعني في البداية أرحب من خلالك بتونس الجميلة التي نكنّ لها صدقا كلّ محبّة. فطيلة عملي الدبلوماسي كنت مع نظرائي التونسيين على درجة عالية من الانسجام والتناغم في المواقف. أمّا عن سؤالك فأنا أنطلق مما قاله جلالة الملك محمد السادس مرّة ‘لو أنّ كلّ وزير أعطى لمنطقته 2 %من جهده لعمّ التطوّر كلّ المغرب’. فقد اخترت-عن قصد ووعي- أن أعمل لوطني بإخلاص، وأن أخصّص له كلّ طاقاتي في كلّ المناصب السياسيّة والجمعويّة التي شغلتها. لكنّ هذا الجهد الوطني أردته أن يكون متوازيا مع خدمة مدينتي فلم يُنسني أنّي ابن هذا المكان الجميل الذي أشعر الآن بالنشوة والافتخار وأنا أراه قبلة المفكرين والأدباء والفنانين وكبار رجال السياسية.
وأعلمك سيدي الكريم بأنّه لمّا استقرّ العزم سنة 1978 على الانطلاق في تحقيق ما حلمت به وأنا طالب في الولايات المتحدة الأمريكية، كانت أصيلة مدينة صغيرة ينقطع فيها التيار الكهربائي باستمرار وأغلب منازلها غير مرتبطة بالشبكة المائيّة. وقد رأى كثير ممن أعرف فيما أنوي القيام به ضربا من ضروب الجنون. إذ كيف لهذه المدينة الصغيرة المحتضنة للأطلسي في وداعة أن تتحوّل إلى مزار المفكرين والسياسيين والموسيقيين والفنانين التشكيليين من إفريقيا ومن كلّ القارات. وها نحن الآن نعيش معكم وبكم الدورة الخامسة والثلاثين وعيوننا تتطلع إلى الدورة القادمة إن شاء الله. ومن خلالكم، ومن خلال ملاحظاتكم التي لا نريدها أن تسقط في هوّة المجاملات، نعمل على تجاوز الهنات وتطوير الأداء وتحسين الموسم الثقافي…الشيب يا أخي بدأ يزحف ويغزو مفرقي الآن. لكنّ رؤية مدينتي أصيلة نابضة بالإقبال على الحياة والفن، ترفل في الجمال ينعكس شفافا على وجوه ضيوفها من كلّ بقاع الدنيا، يمنحني عمرا ثانيا ويهبني طاقة متجدّدة تزيد في عزمي وإصراري على المواصلة. كلّ عمل مثمر جادّ لابد أن تكون فيه جرعة الحب. سجّل إذن … أنا أعشق مدينتي.
*سي محمّد لك مسيرة دبلوماسية حافلة انعكست إيجابا على مدينة ‘أصيلة’ التي تحوّلت إلى ملتقى الشرق والغرب فهل وراء هذه الصورة موقف مخصوص من علاقة الشرق بالغرب تريد تبليغه؟
*في رأيي المتواضع، يساهم موسم أصيلة الثقافيّ بمختلف تفريعاته الإبداعيّة، في نسج الانفتاح التأصيلي، المرسخ لقيم الحوار والتفاعل والتواصل مع الآخر، والمستثمر للنهج الاعتدالي الذي يميز المغرب.وقد نهض مشروع ‘موسم أصيلة الثقافيّ’ على رغبة صادقة في تحويل المكان إلى منارة فنيّة ثقافيّة فكريّة تكون دليلا للعالم الآخر كي يكتشف خصوصياتنا التي لا نريدها أن تكون في قطيعة مع الكونيّ. فعبر هذا الجهد، وغيره في دول أخرى لا شكّ، يكتشف الآخر ما تزخر به دول الجنوب من فنون تشكيليّة وآداب وفكر وعمارة. إننا ننطلق في عملنا من رؤية محدّدة وواضحة تؤكّد ضرورة التعامل مع الآخر والتفاعل معه تجاوزا للدعوات التي تنادي بمقاطعة الشمال الامبريالي الذي لا يريد لنا الخير. عارضت من البداية الدعوة إلى القطيعة واعتبرتها سلوكا بدائيّا لا يرقى إلى مستوى ما يجب أن يكون عليه التعايش بين الناس على اختلاف ألوانهم وهوياتهم وأديانهم ومشاربهم الفكريّة.أنا أومن بضرورة مدّ طريق سيّارة بين الشرق والغرب ذات اتجاهيْن.
*كيف ينظر محمد بن عيسى الوزير السفير صاحب الخبرة الطويلة إلى ما يجري من حراك اجتماعي في أكثر من دولة عربية اصطلح البعض على تسميته بالربيع العربي؟
*مرّ الآن على الحراك المجتمعي الذي عمّ بعض الدول العربيّة وطال منطقتنا المغاربيّة أكثر من سنتين شغل خلالها الرأي العام ووسائل الإعلام. وقد وازت هذا الحراك كتابات مرحبّة مهلّلة وأخرى ناقدة حاقدة منفّرة. وما أقوله هو أنّ هذا الحراك ظاهرة غير مسبوقة في الوطن العربي فاجأت حتى الشعوب التي عاشت التجربة. ومن المفيد التذكير بأنّ أبعاد الظاهرة لم تنضج بالكامل ويصعب التطرق إليها على سبيل الافتراضات. وما أحوج النخب العربيّة اليوم إلى أن تتطارح هذا الذي تعيشه بعض الدول، وأن تهرع إلى تقديم مقترحات عمليّة من شأنها أن تضع هذا الحراك في سياق ما يمكن أن يخدم الشعوب لا فيما يمكن أن ينسف التجربة برمّتها. ولا يخفى أنّ ما أصبح يطلق عليه اسم ‘الربيع العربي’ قد فقد الهالة التي كان عليها في البداية حتى أمسى عند البعض مبتذلا.ولابدّ من محاولة فهم سرّ هذا التحوّل وأبعاده.. إني لعلى قناعة بأنّ الشارع لا يصنع الديموقراطية وإن كان المبشّر بها، بل الأمر موكول إلى النخبة، فهي التي تؤسس وتضع القواعد وترفد الجهود الشعبيّة وتعلّي من سقف الانتظار. وبالعودة إلى تجارب سابقة يتبيّن أن الثورات الكبرى ممسوكة بقادة يوجهونها وفق ما تواضعوا عليه ووضعوه هدفا.فلما جاء ‘ماو’ إلى السلطة في الصين، أو كاسترو في كوبا كان كلّ واحد منهما يحمل فكرا وأيديولوجيا ورؤية للعالم يريد تثبيتها. وأرى هذا الذي يجري على غير منهج أحيانا بحاجة إلى إحاطة.النخبة بإزاء هذا الحراك بمثابة الضفاف الصلبة والجسور العالية التي تؤطر الماء السائل عنيفا كي تخصّبه وتحوّله إلى إنتاج مثمر. ولهذا الأمر سعينا في هذه الدورة إلى أن نتناول بالتحليل والرصد مع يجري صحبة مجموعة من المفكرين. ولعلّ المميّز في هذه المقاربة التي تقدمها أصيلة هو الرغبة في الإنصات إلى ما يقول الآخر عما يجري في بعض الدول العربيّة بعيدا عن التقديس والتدنيس. الغاية هي فتح نقاش جاد وموضوعي. ولعلّك انتبهت إلى عنوان الندوة’فصول الربيع العربي’ وما يحمله من دلالات تبعده عن أن يكون ربيعا محضا، فللربيع فصوله المتقلبة التي لا يتعامل معها الدارس والفاعل السياسي ببساطة. فموضوع ما أصبح يعرف بالربيع العربي يتميز بالراهنية والحيوية والتحرّك الدائم. والرأي عندي هو أن يمسك السياسيون المحنكون والمفكرون الشوط الثاني من عمليّة التحوّل بعد أن قاد الشباب شرارة الحراك الأولى. فهل يعقل أن تصمت النخبة وأن ينحسر دورها في هذا الظرف الصعب؟ كيف السبيل إلى الخلاص بنخبة غائبة أو مغيبة تطلق العنان لبعض من يفتقد إلى الحكمة والتبصّر يريد أن يستثمر جهود الآخرين وأن يوجهه وجهة عنيفة نحو التطرف بجميع أشكاله؟
*وهذه الأمواج الأطلسية تفتح أذرعها لاحتضان عشاقها هل مازال محمد بن عيسى يأمل في غد أفضل رغم قتامة الآفاق أحيانا؟
*سأظلّ- ما أتاح لي الله أن أعيش- وفيا لتفاؤلي، ولثقتي في الآتي أتجاوز بها بعض صعوبات الحاضر. أنا أحلم دائما بأن نغني جميعا للحياة بكلّ اللغات.. فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة ويبعد عنها شبح الحروب والمآسي… وأنا أعبر شوارع ‘أصيلة’ فتقع عيني على فنان تشكيلي أرجنتيني يحاور الجدران بريشته وعلى موسيقي تنزاني يعزف لحن الروح تردد صداه أمواج أصيلة وإلى جانبه الكاتب المغربي الجوّال ‘أحمد المديني’ يذرع شوارع المدينة بخطوه متأملا محاورا، تتبعه زمرة من الكتاب والمثقفين في رحلة كشف لعوالم من السحر والجمال، يزداد أملي برؤية هذه اللوحات الإنسانية المتعانقة خلوا من الأحقاد، في انتصار الإنسان الجميل على البذاءة والحقد وعلى ثقافة الموت التي لا يمكن أن تمحوها إلا ألوان التشكيليين وآهات الغناء الصوفي المتبّل في ضراعة يبدّد وحشة الليل وأشعار العشاق من كلّ أرض.
محمد بن عيسى في سطور:
- سياسي ودبلوماسي مغربي من مواليد 1937 بمدينة أصيلة
- وزير الثقافة في المغرب من 1985 إلى 1992
- سفير المملكة المغربية في أمريكا من1993 إلى 1999
- شغل منصب وزير الخارجيّة من أب ريل 1999 إلى أكتوبر 2007
- أمين عام منتدى أصيلة
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو