الجمعة 2024-12-13 07:28 م
 

مرة أخرى عن «طائف سوري»

12:55 م

قبل أربعين يوماً بالتمام والكمال، وفي هذه الزاوية بالذات،نشرنا مقالاً بعنوان: “متى يصبح الطائف خياراً ممكناً لحل الأزمة السورية؟”..يومها تحدثنا عن تعذر خيار “الحسم” عند السلطة والمعارضة سواء بسواء، في ظل إحجام الجهات الدولية ذات الصلة، عن التدخل العسكري في سوريا..يومها أكدنا أن “الطائف 2” لم تكتمل شروطه بعد، بسبب غياب “التوافق” أو “التفاهم” الإقليمي والدولي، باعتباره شرطاً لتوافق أطراف الصراع المحلية واتفاقها، سيما بعد أن “تدول” الصراع على سوريا و”تأقلم”.اضافة اعلان


أمس، كنت استمع للدكتور ناصيف حتي سفير جامعة الدول العربية في باريس، يتحدث في ذات السياق، ويميز بين “طائفين”: الأول؛ إقليمي\\دولي...والثاني؛ محلي\\سوري...هو أيضاً لم ير أن شروط “الطائفين” قد نضجت بعد، بيد أنه توقف لشرح أطروحة صائبة في العلوم السياسية، مفادها أن “المصالح المشتركة” ليست وحدها ودائماً، السبب في بناء “التفاهمات” و”التوافقات” بين الدول...أحياناً تبني هذه الدول “تفاهماتها” على نظرية “المخاوف المشتركة”.

لا مصالح مشتركة للاعبين الإقليميين والدوليين في سوريا...تضارب المصالح وتناقضها كان قائما قبل اندلاع الأزمة السورية..وهو مستمر الآن...وقد يظل كذلك في المستقبل المنظور...لكن الجديد الذي طرأ خلال الأيام الأربعين الفائتة، أي منذ أن تحدثنا لأول عن “طائف سوري”، هو أن منسوب “المخاوف المشتركة” قد تنامى وتفاقم...وبات يشكل أساساً موضوعياً لـ”طائف إقليمي \\دولي” مُحتمل حول سوريا.

وأحسب أنه يمكن النظر لأحداث بنغازي ومصرع السفير الأمريكي وصحبه في قنصليتهم هناك، بوصفها نقطة تحول حاسمة في الطريق إلى بناء “التفاهم الدولي” المبني على قاعدة “المخاوف المشتركة”، في غياب منظومة “المصالح المشتركة” وتعطل مفاعيل نظرية “توازن المصالح” الغورباتشوفية.

ليس خافياً على أحد، أن واشنطن تُجري الآن مراجعة وتقييماً دقيقين لعلاقاتها بـ”الإسلام السياسي” بعامة، العربي على وجه الخصوص....ولا شك أن نتائج هذه المراجعة ستراوح ما بين حدين: الحد الأعلى، إحداث تغيير “جوهري” في النظرة والمقاربة والعلاقة....والحد الأدنى إدخال تعديل على هذه المقاربة “Fine Tuning” ولقد شهدنا جملة مؤشرات دالة على هذه المراجعة، من اتهام جماعة الإخوان المسلمين بتبني “خطاب مزدوج” إلى وصف “حكمهم” في مصر بـ”اللا عدو واللا حليف”، فضلاً عن مراجعة المساعدات الإضافية وإلغاء لقاءٍ كان مرتقباً بين أوباما ومرسي...وهذا كله في العلن.

أما في الخفاء، فإن واشنطن باتت كما يقول حلفاؤها والمراهنون على تدخلها في سوريا بعد الإنتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم، أبعد أكثر من أي وقت مضى عن هذا التدخل...وهي باتت أقرب، وأكثر من أي وقت مضى كذلك، أكثر حماسةً لتحويل سوريا إلى ساحة مواجهة مع “القاعدة” والحرب على “الجهاديين”، ومصادر أنقرة تتحدث عن إلحاح أمريكي على تركيا لمواجهة “القاعدة” و”الجهاديين” في سوريا، الذين يستخدمون الأراضي التركية ويمرون منها إلى “ساحة الجهاد الجديدة”، كشرط أو “مطلب” أمريكي لدعم أنقرة في حربها على حزب العمال الكردستاني.

إذن، في غياب الحسم، حسم السلطة لحربها مع المعارضة، وحسم المعارضة لمعركة إسقاط النظام...ومع إطالة أمد الأزمة السورية واستطالتها..ومع تنامي دور الإسلاميين عموماً و”الجهاديين” خصوصاً في سوريا، فإن فرص بناء “التفاهم الدولي” حول سوريا، والمبني على “تفاقم المخاوف المشتركة”، قد باتت أعلى من أي وقت مضى...على أن ذلك لا يعني تلقائياً أن اللاعبين الإقليميين قد باتوا أقرب للتوافق والتفاهم...فالسعودية وقطر على سبيل المثال ، لا تستشعران المخاوف ذاتها التي بدأت تؤثر على المواقف الأمريكية والأوروبية، وهما ماضيتان في دعم “جناحي الإسلام السياسي، الإخواني والجهادي”...وتركيا أدخلت بعداً “شخصياً” و”حزبياً” و”مذهبياً” في مقاربتها للأزمة السورية، سيجعل دبلوماسيتها أقل مرونة في التكيف مع “جديد” الأزمة السورية المُتحركة، وستيعين على أطراف “التفاهم” الدولى المُحتمل، أن تبذل جهوداً كبيرة، لإخراج “التفاهم الإقليمي” إلى حيز التنفيذ.

في سياق “المخاوف المشتركة” وبوحيها...تتحرك روسيا وإيران والصين صوب “نقطة في منتصف الطريق” مع المحور الإقليمي والدولي الداعم للمعارضة السورية والمنادي بإسقاط النظام....وفي هذا السياق، يمكن التذكير بوقف روسيا المنفتح على “حلول” تستثني الأسد أو تنتهي بإخراجه من السلطة”...هنا أيضاً لا يمكن التقليل من شأن الحماس الإيراني لمبادرة مرسي “الرباعية الإقليمية” برغم المواقف “الجذرية” التي أطلقها الرئيس الإخواني لمصر ضد الأسد ونظامه.

حتى الآن، اصطدمت جميع المبادرات والمساعي الرامية حل الأزمة السورية بتباين مواقف الأطراف من مصائر الأسد الشخصية، يبقى أم يرحل...إلى متى سيبقى ومتى يرحل...الآن تتوفر فرصة، وربما لأول مرة، لـ”بناء التفاهم الدولي” ابتداءً، ولاحقاً “التفاهم الإقليمي” على معادلة تقول: “الإنتقال السياسي ينتهي برحيل الأسد ولا يبدأ به”...وللإنتقال السياسي شروط ومتطلبات، لا أحسب أنها كافية لتعطيل بناء التفاهمات والتوافقات...وربما يكون موعد الإنتخابات الرئاسية السورية المقبلة (2014) تاريخاً ممكناً، لاستكمال عملية “الإنتقال السياسي”، وموعداً لانتخابات برلمانية ورئاسية جديدة لسوريا، لا يشارك فيها الأسد مرشحاً، شريطة أن تسبقه إجراءات وقف العنف والقتال وإطلاق سراح المعتقلين وتشكيل حكومة وحدة انتقالية، وغير ذلك كثير من خطوات بناء الثقة.

لاحظوا أننا لم نأت على ذكر “التفاهم الوطني” السوري الداخلي...لقد أسقطنا هذا الأمر في هذه المرحلة من التحليل، ولم يسقط سهواً...ذلك أن مرور 18 شهراً على اندلاع “المسألة السورية” قد أفقد الأطراف المحلية قدرتها على التحكم بمسارات الأزمة...أفقدها “استقلالية قرارها”...وجعل منها أشبه ما تكون بأدوات ووقود للصراع الإقليمي \\ الدولي على سوريا...وفي مثل هذه الظروف، فإن إنتاج “التفاهمين” الإقليمي والدولي، كفيل وحده، وبقليل من الجهود والضغوط، بإنتاج “التفاهم الوطني”.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة