الجمعة 2024-12-13 05:43 ص
 

مشاهد القتل ..

12:19 ص

الوكيل - لم تدرك (ام احمد) ان حالة القلق والخوف التي تنتاب ابنها (أحمد)، عشر سنوات، والتي تدفعه إلى الامتناع عن الذهاب الى المدرسة، سببها ما يشاهده على شاشة التلفاز من صور لقتلى واشلاء ودماء.اضافة اعلان


المفاجأة التي أدهشت(ام أحمد) أن سبب الرفض يعود الى خوف ابنها «من أن يتعرض الى القتل او الاصابة، كما يشاهد في التلفاز».

فما بين أحقية أي جهة اعلامية في اظهار الحقيقة وبث الرسائل للجمهور المتلقي من خلال عملها وبين احترام الجمهور وحرمة الميت تظهر اشكالية بث هذه الصور التي يختلف عليها الكثيرون حيث يرى البعض فيها انتهاكا للقتلى انفسهم ولذويهم في حين يرى البعض أنها «حقيقة بشعه» يجب أن يعرفها الجميع وأنها «ضريبة للحقيقة».

احمد الذي اغتالت تلك المشاهد «الدمويه» طفولته واستباحت احلامه لتحيلها الى كوابيس تختلط فيها مشاهد القاتل مع المقتول ويشتم منها وهو نائم رائحة الدم مع المتفجرات، ليستيقظ في الليل -بحسب والدته -وهو يصرخ رافضا الذهاب للمدرسه خوفا من القتل.

تجاوزت حالة التعايش مع تلك المشاهد-بحسب (أم أحمد) - الى حد تساؤل احمد واخوانه الثلاثة عن مصير الاطفال المقتولين «بوحشية» والتي يشاهدونها على التلفاز وهل سيكون مصيرهم الجنة»، مشيرة أن احمد سألها ذات مرة عن الاطفال القتلى «كيف رح يدخلوا الجنة وهم مقطعين».

وتقول الام «اصبح ابني شارد الذهن ويفكر في مشاهد قتل الاطفال أكثر من أي شيء آخر، بحيث باتت تلك المشاهد تأخذ الحيز الاكبر من وقته بدل أن يفكر في العابه مع أقرانه أو في حتى في دروسه».

مواقع التواصل الاجتماعي خاصة الفيس بوك صار أيضا ساحة خصبة لنشر عدد من صور للقتلى لتعزيز موقفهم السياسي من نظام أو حزب أو جهة معينة لاظهار وحشيتها أو محاولة لكسب التعاطف لقضية بعينها.

يرى إعلاميون ومختصون اجتماعيون ضرورة ان تكون هنالك محددات اخلاقية واجتماعية عند نشر مثل تلك المشاهد.

يقول نقيب الصحفيين الزميل طارق المومني أن هناك آداباً واخلاقيات يجب على وسائل الاعلام المقروءة والمرئية الالتزام بها ومن أهمها عدم استغلال الصور البشعة والمشاهد التي تدمي القلب لاظهار موقف سياسي.

وبين المومني أن من حق الصحفي أو العامل في اي وسيلة اعلام تحري الحقيقة والكشف عنها لكن يجب عليه أيضا الابتعاد عن الاثارة وعدم نشر كل ما يسيء للجمهور خاصة للأطفال وعدم نشر اي شيء يتعلق بالطفل الا بعد اخذ الموافقة من ذويه.

وأكد المومني أنه فيما يتعلق بصور ومشاهد القتل التي تؤذي المشاعر فإنه يجب عدم نشرها عبر اي وسيله اعلام ومحاولة تغطية الاجزاء البشعة والموازنة بين أحقية وسيلة الاعلام في نشر الحقيقة وبين التحفظ على نشرها احتراما للمشاهدين وهي بالضرورة ادبيات متعارف عليها في مختلف وسائل الاعلام العالمية.

ويلزم ميثاق الشرف الصحفي في مبادئه على ضرورة (الابتعاد عن الاثارة في نشر الجرائم والفضائح والالتزام بالقيم الدينية والاخلاقية للمجتمع)، كما تنص المادة (10) الفقرة (ب) الابتعاد عن الاثارة في نشر الجرائم والفضائح وتجنب الالفاظ البذيئة والنابية. ما يستدل منه على ضرورة تجنب الصحفي اعمالا قد تترتب عليها أضرار في نفس متلقيها.

ويتمتع ميثاق الشرف الصحفي بصفة إلزامية استنادا إلى نص قانون نقابة الصحفيين في المادة (42) الفقرة (ج).

بدوره أكد استاذ علم الاجتماع في الجامعة الاردنية الدكتور مجد الدين خمش أن لهذه المشاهد والصور «تأثيرا سلبيا على جميع افراد الاسرة ومن مختلف الاعمار خصوصا الاطفال وأن تأثيرها يكون تراكميا وحتى لو لم يظهر على المدى القصير فإنه يعيش معهم ليظهر في فترات لاحقة».

وأشار الدكتور خمش إلى أن لهذه الصور تأثيرا على سلوكيات الاطفال ومع المدة تدخلهم في جو من الاكتئاب والخوف الغامض وغير المفهوم ويعيش في حالة من الخوف المبهم.

وبين الدكتور خمش أن هذا الخوف المبهم يؤثر في شخصية الطفل ويصبح ميالا للوحدة والعزلة وشرود الذهن خصوصا عندما يخرج من المنزل أو تواجده مع اقرانه وتؤدي الى الشعور بعدم الامان وعدم الثقة بأي شخص كما يجنح البعض الى العنف نتيجة لهذه الصور.

من جانبه قال أستاذ أصول الفقه في الجامعة الأردنية الدكتور عبد الله الكيلاني أن صور تقطيع الرؤوس والذبح من الصور المنفرة تهدم مقاصد الشريعة في تحري بهجة المنظر فضلا عما فيها من إهدار للكرامة الآدمية .

واستدل الكيلاني من خلال تأمل سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والادراك أن من مقاصد الشريعة الرحمة بالخلق، ومن هذه الرحمة أن يكون للأمة بهاء المنظر، وأن تكون المناظر مما يُقر عين الناظر بإزالة أشكال التلوث البصري، مبينا أن الله سبحانه وتعالى منّ على عباده ببهجة المنظر فقال { أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ } , مبينا أن تنبيه القرآن لجمال المنظر وبهجة النفس تنبيه للإنسان ليتحرى ذلك في حياته ومن ذلك الصور المعروضة في الإعلام بكافة وسائله المسموعة والمرئية.

واعتبر أن الصور «المستقبحة تدخل في عموم مفهوم سوءالمنظر» وكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ يَتَعَوَّذُ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ، وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ.

وبين مئات الصور التي تنشر يوميا ما يزال الطفل (أحمد) وأقرانه محاصرين بأحلامهم التي بدأت تقتل فيهم الطفولة ليكبروا قبل أوانهم وبداخلهم شيء من الخوف.

الراي


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة