وهكذا انقلب عسكر مصر على إرادة شعبهم, ولكن بنعومة تسترت بحكم المحكمة الدستورية العليا, القاضي بحل مجلس الشعب باعتباره بكامله جاء بقانون انتخاب غير دستوري, وفي الوقت عينه قضت تلك المحكمة, بصحة استمرار مرشح الفلول, في التنافس على موقع رئيس الجمهورية, وبما يعني أن المجلس العسكري الحاكم, سيظل صاحب اليد العليا, في كل ما يتصل بواقع مصر الراهن ومستقبلها, وأن العسكر يظنون أنهم استوعبوا الحراك الشعبي بلعبة الانتخابات, وأنه لم يعد لميادين التحرير التي أسقطت مبارك, الزخم الكافي لتحول بمصر إلى دولة مدنية, يعود فيها الجنود إلى ثكناتهم, لممارسة وظيفتهم الأساسية, في الدفاع عن البلاد, وليس حكمها.
وكأن المتلقين أغبياء وسذج, ليصدقوا أن المجلس العسكري فوجئ بقرار المحكمة, فتداعى أعضاؤه إلى جلسة طارئة لبحث تداعيات الحكم, تمهيداً للإعلان عن استعادته للسلطة التشريعية, إلى حين إجراء انتخابات جديدة, وهم بذلك يضمون بين أيديهم السلطات الثلاث, التنفيذية والتشريعية والقضائية, كما يتبين من حكم الدستورية العليا, واستتباعاً التوقف عن تشكيل جمعية تأسيسية لكتابة دستور جديد للبلاد, ما يعني العودة إلى المربع الأول, ولايعني رفضنا لهذه الخطوة, رضانا عن تشكيلة مجلس الشعب المنحل, لمعرفتنا بطبيعة الألاعيب التي لجأ إليها حزب الحرية والعدالة, للفوز بالأغلبية, لكننا نأخذ على حكام مصر اليوم, صمتهم على ذلك في حينه, وكأنهم توقعوا إمكانية عقد حلف مع الإخوان, ليستمروا في التمتع بسلطاتهم, أو كانوا يجهلون مقدار التعطش للسلطة المطلقة عند الإخوان, وهم يخططون للوصول إليها منذ أكثر من ثمانين عاماً.
هل نحتاج مزيداً من القرارات, لنكتشف أن قوى الشد العكسي, ترفض دخول مصر أعتاب مرحلة جديدة, وتناور لإعادة إنتاج حكم مبارك, ومن سبقه من الرؤساء العسكريين, مع بعض الجراحات التجميلية, وبحيث يتنافس مرشح الإخوان مع مرشح الفلول, في مسرحية بالغة البؤس, كان المشهد الأول فيها الحكم الدستوري, باستمرار مرسي وشفيق في السباق الرئاسي, ويفضح حكم الدستورية الأبعاد السياسية لهما, وخروجهما من دائرة القضاء العادل, إلى فضاء السياسة, التي تحتمل تفسيرات وتأويلات متباينة.
تجاوزت المحكمة الدستورية الإرادة الشعبية, سواء كانت في ميدان التحرير, أومجلس الشعب على علاته, مؤكد أن تلك الإرادة التي رفضت مبارك وأسقطته, وأجبرت السلطات على محاكمته, لم تكن بحاجة إلى الدستور للقيام بثورتها, ولا هي التفتت إلى كل هذه الشكليات, التي يجري طبخها في المكاتب المكيفة, لإجهاض أهداف الثوار, المطلوب منهم اليوم الاستمرار في حراكهم, وفاءً لدماء الشهداء, وقبل أن تفصل محكمة القضاء الإداري في الأحكام الدستورية, التي ستتيح لرموز النظام السابق, بمن فيهم جمال مبارك الترشح لرئاسة مصر, وبما سيعني أن موقعة الجمل, لم تنته في ميدان التحرير, وأنها تعلن اليوم انتصار الغوغاء والبلطجية.
بكل ما في السلطة المطلقة من عنجهية, علق أحمد شفيق على حكم «الدستورية», المطبوخ بعناية, والمضاف إليه كل البهارات اللفظية المحسنة, قائلاً إن عصر تصفية الحسابات انتهى, وبما يعني عنده أن كل تضحيات الثورة, ستنتهي إلى نتيجة بائسة, مفادها عفا الله عما مضى, وأن رجال مبارك سيحكمون المحروسة, شاء من شاء وأبى من أبى, لكنه مع كل هذا الاستقواء تبجح بالإعلان أنه «لا يريد عزة ولا يريد سلطة أو مكانة» وأن كل هدفه هو المساهمة مع كل مواطنيه, في بناء بلد مستقر آمن, باقتصاد يوفر الرزق للجميع.
مصر اليوم في ظرف, لايمكن توصيفه بغير إنقلاب عسكري كامل وناعم على الثورة، تتمثل أول صوره, بمنح الشرطة العسكرية لأول مرة على مستوى العالم, صفة الضبط القضائي, ولعل الممكن الوحيد اليوم عند القوى السياسية في مصر, الانسحاب من التمثيلية العبثية الرديئة, الهادفة إلى إعادة إنتاج حكم العسكر, ومنح الثورة فرصة استعادة آخر ورقة في إنقاذها, لكن دعوتنا هذه تصطدم بانتهازية الاخوان, الذين أعلن مرشحهم للرئاسة, احترامه لأحكام «الدستورية», واعتبارها واجبة النفاذ.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو