بعد المعركة -المستمرة حتى الآن- حول تعديلات الكتب المدرسية، والتي تضمنت تبادل الاتهامات، ناهيك عن الردح أحيانا، وحتى التكفير والتشهير والتهديد والتحريض، وكل الأساليب غير الشريفة في موضوع علمي تعليمي؛ نكتشف بحق كم انحدر مستوى مخرجات مؤسساتنا الوطنية، ليس التعليمية منها فقط، بل أيضاً الرسمية والمجتمعية عموماً.
إذ اكتشفنا أساساً، ومرة أخرى للأسف، أننا غير قادرين على الحوار، ولسنا مؤهلين لصناعة مستقبلنا، فهوى الصراع إلى مستويات مثيرة للحزن، بل والصدمة أحيانا؛ ولتكون المعركة على كل شيء، باستثناء مصلحة الطلبة ومستقبلهم! وصولاً إلى النتيجة المتمثلة في سلسلة من التنازلات بشأن مبدأ الإصلاح والتطوير ذاته!
كذلك، عرفنا بشكل قاطع أننا شعب لا يقرأ! ولست أتحدث هنا عن العامة، بل عمن نيطت بهم مهمة تعليمنا أجيالاً بعد أجيال، أي كثير جداً من المعلمين. هكذا، صار الجميع ناقماً على التعديلات وهدفها 'الشرير' -المزعوم وغير الصحيح أبداً- بنزع الدين من كتب المدارس، في 'تورية' للأهداف الحقيقية! وثمة أكثر من حادثة أبطالها معلمون ومديرو مدارس تهجّموا على التعديلات من دون أن يطّلعوا عليها! كما ما يزال بعض النخب يروج إشاعات ومعلومات لا تمت بصلة لحقيقة ما يحصل في الواقع.
للأسف أيضاً، فإن من الدروس الأخرى للمعركة أننا أضعنا البوصلة، بعد أن خسرنا معركة القيم؛ إذ ذهبت القضية إلى مساحة أخرى غير تلك الضرورية المستهدفة، وهي الحاجة الماسة لإنقاذ الأجيال المقبلة من مستنقع الجهل الذي انزلقت إليه، وبات انتشالها منه أمرا ليس باليسير.
الأزمة في البدايات أديرت بشكل خاطئ، فغدت عرضة للاتساع أكثر، حد خروجها عن السيطرة. بيد أن دخول وزير الإعلام د. محمد المومني، على خط الأزمة، وسعيه إلى تقديم المعلومات، كما فتح قنوات رسمية لشرح ما حدث، ساعد في تهدئة الحال، للابتعاد بها بالحد الأدنى عن حافة الجنون. لكن هذه الجهود بدورها لم تثمر بما يكفي لأخذنا إلى حوار جاد، يتخلى فيه الكل عن أجنداتهم، واضعين نصب أعينهم أمرا واحدا هو مصلحة الطلبة ولا شيء سواها.
ما فعله بأبنائنا الطلبة أولئك المحرضون على العصيان وحرق الكتب المدرسية، لم نجنِ تبعاته بعد. لكن تجلّت إرهاصاته أمس في مشهد لا يرضي حتى المعلمين، تمثّل في محاولة طلبة اقتحام مبنى مديرية تربية بني كنانة احتجاجا على نظام الدوام الجديد، بتغييره من نظام الساعات إلى الحصص! وجيل ينشأ على حرق الكتب بأمر وتحفيز من 'معلم'، لن يحترم أبداً كل أصحاب هذه المهنة، وهو ما يبرر التنبؤ بصعوبة استعادة هيبة المعلم وقدسيته اللتين فُقدتا لأكثر من سبب.
لا ضير في أنْ نختلف في وجهات النظر، لا أن يصبح الاختلاف معركة كسر عظم، نفاقم بها خسائر نظامنا التعليمي، بدلا من محو الأمية بين طلبتنا المساكين، وبدلا من الحوار على تحسين وضع المعلم، نقيضاً لما هو مطلوب من إدخال تعديلات على الكتب، بحيث ترتقي بمستوى أبنائنا.
الكتب وتعديلاتها قصة لا تختلف في نهايتها عن كل الملفات في بلدي؛ إذ لا يتوقع لها أن تُسوّى طالما نحن لا نجيد الحوار، بل ونسعى إلى الدخول في باب المفاصلة أو المزاودة، رغم علمنا أن الطلبة الأردنيين هم من يدفع كلف تأخير إصلاح قطاع التعليم.
بعد كل الحديث عن ضرورة تعديل الكتب، لا أستبعد أن يكون كثير جداً من ردود الفعل على هذا المقال مزيدا من الشتائم، وحتى التكفير، طالما نحن شعب لا يقرأ، بل وغُسلت أدمغة جزء ضخم منا بكلام شعبوي ومعارك 'دونكيشوتية' تنكر أن العلم قيمة، والمعرفة والتعلم حق.
إن كان يظن بعضنا أنّ حذف حديث نبوي أو آية من القرآن الكريم يضعف دين أولادنا ويسلخهم عنه، فهم مخطئون؛ إلا إذا كانت القصة صراع نفوذ حتى على مصادر المعرفة الضرورية لأبنائنا.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو