ربما خطر بذهن «القيصر» عندما اتخذ قرار الانسحاب الجزئي من سوريا، أن روسيا ستستضيف بعد نحو عامين في صيف 2018 بطولة كأس العالم، وهذا حدث دولي مهم، يضع الدولة المستضيفة تحت الأضواء، وأعتقد أن استمرار روسيا في التورط بالمستنقع السوري ليس لصالحها، وسيعرضها لانتقادات المنظمات الدولية الحقوقية، والمعنية بحقوق الانسان ووسائل الإعلام ، الأمر الذي يؤثر على فرص نجاح هذه البطولة، خاصة وأن العمليات العسكرية الروسية تحصد الكثير من أرواح المدنيين الأبرياء.
كما جاء قرار التدخل العسكري في سوريا مفاجئا، أعلنت موسكو فجأة قرار سحب معظم طائراتها الحربية، حتى واشنطن بدت كمن لا يعلم، رغم التنسيق المتواصل مع موسكو، في الملف السوري، وكان أهم مخرجات هذا التنسيق اتفاق وقف العمليات القتالية في سوريا.
من الناحية اللوجستية، تستطيع الطائرات الروسية التي غادرت سوريا، العودة اليها خلال ساعات قليلة، اذا أراد الرئيس بوتين ذلك، بمعنى أن البعد السياسي لقرار الانسحاب أهم من الجانب العسكري، خاصوصاً وأن موسكو احتفظت بقواعد عسكرية جوية وبحرية في سوريا، كما أبقت منظومة صواريخ أرض جو» اس 400» المتطورة، وبعض الطائرات المقاتلة، التي ستواصل القيام بشن غارات جوية على أهداف المعارضة والفصائل المسلحة.
التدخل العسكري الروسي ثبّت نظام الأسد لفترة محدودة ، لكنه فشل في القضاء على المعارضة، وكان بعيدا عن تنظيم داعش لكن الانجاز العسكري الأهم للتدخل الروسي بنظري، هو استعراض القوة أمام العالم ، وخاصة بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الاوروبيين، وتأكيد قدرة روسيا على التحرك بالساحة الدولية والتدخل في النزاعات الاقليمية، وإيصال رسالة بهذا المعنى الى الغرب، تتعلق بالأزمة الأوكرانية وضم روسيا لشبه جزيرة القرم لكن أهم صفعة عسكرية تعرضت لها موسكو في سوريا، إسقاط طائرة «السوخوي» من قبل المقاتلات التركية.
يستطيع بوتين الزعم بأن التدخل العسكري في سوريا، ساهم بإطلاق العملية السياسية بين النظام وأطراف المعارضة في جنيف، وفي كل الأحوال فإن موسكو ليست معنية باستمرار الأسد بالحكم، المهم بالنسبة لها الحفاظ على مؤسسات الدولة وخاصة الجيش، وضمان مصالحها الاستراتيجية في سوريا والاحتفاظ بقواعد عسكرية، وهذا هدف متحقق عمليا، في المنطقة الشمالية الغربية من سوريا المحاذي للبحر المتوسط، التي تبدو أشبه بدويلة فصلت في حال انزلقت الأزمة باتجاه التقسيم، خاصة وأن روسيا أبدت دعمها لتحويل سوريا الى فيدراليات، وكان أحد إفرازات هذا الطرح إعلان أكراد سوريا فيدرالية، في المناطق التي تحت سيطرتهم شمال شرق البلاد قرب الحدود التركية والعراقية.
في الجانب المخفي لقرار الانسحاب، يمكن التكهن أن بوتين وضع في حساباته، احتمال الغرق في المستنقع السوري وفي الذاكرة تجربة الغزو السوفياتي لأفغانستان خاصة وأن هذه الحرب تشكل عبئا ثقيلا على الاقتصاد الروسي، الذي يعاني من مشكلات عديدة لعل أهمها الانخفاض الهائل في أسعار النفط ، الذي يشكل مصدرا رئيسيا في الموارد المالية لروسيا، وربما كان الموقف الاميركي المراوغ ، يريد توريط روسيا أكبر فترة ممكنة في سوريا لاستنزافها عسكريا واقتصاديا.
أدرك «قيصر» روسيا ، بأن هناك أطرافاً عديدة دولية وإقليمية معنية في الأزمة السورية، بينها دول الخليج العربي التي ترفض استمرار الأسد بالحكم، وهناك علاقات ومصالح مشتركة بين موسكو وهذه الدول، خاصة فيما يتعلق بالتنسيق بمعدلات انتاج النفط والغاز ومستويات الأسعار، وهو تنسيق يقابله برود في العلاقات الاميركية الخليجية.
وقد احتفل بوتين مؤخرا بزيارات أمير قطر ومسؤولين خليجيين الى موسكو، وهو بانتظار زيارة العاهل السعودي، وفي هذا الصدد يمكن اعتبار قرار روسيا الانسحاب الجزئي من سوريا، ورقة في سياق تعزيز العلاقات الروسية الخليجية ودفع العملية السياسية، خاصة أن المعطيات الواقعية تؤكد أنه لا يمكن للأسد الاستمرار بالحكم، سواء في بداية المرحلة الانتقالية أو في نهايتها.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو