الجمعة 2024-12-13 06:34 ص
 

"من يوميات أم سورية

11:16 ص

'ابني حبيبي

امسك بيدي يا صغيري ولنخرج سويا' من بين هذا الركام، أرجوك لا تنظر حولك ونحن نمضي في الطريق الى مدرستك. تجاهل بقع الدماء على الجدران، واحذر من أن تتعثر بأشلاء إنسان، لا تتساءل عمن كان داخل كل هذه السيارات المفحمة، ولا تعر صوت الرصاص أي اهتمام، ولا حتى صراخ الجيران. كوابيسك ومناماتك المزعجة كلها أوهام، فلا تحاول استعادة مشاهدها هذا الصباح، وامسك يدي بقوة حتى نصل الى مدرستك. احرص على حقيبتك ولا تفقدها، فقد أمضيت ساعات حتى وجدتها سليمة بالرغم مما أحاطها من حطام. اضافة اعلان


قد تجد عائلات تفترش ساحات المدرسة والممرات، فلا تتأفف من وجودهم، فبيوتهم كبيتنا دمرتها النيران، ووجودهم هناك إحدى ضروريات الصمود والبقاء على هامش هذه الحياة. وقد تفتقد أصدقاء كانوا معك سنين طويلة ولم يعودوا اليوم الى جانبك على مقاعد الدراسة، لا أحد يعلم أحياء هم أم أموات. وقد تجد مدرسا' واحدا' يدرس كل المواد لعدة صفوف، فزميله غائب أو متسلل أو لاجئ أو ربما تحت الأنقاض، أو خائف يتوارى عن الأنظار. لن تجد كتب مدرسية ولا كراسات ولا أقلام جديدة، فتناول أي ورقة بيضاء وابدأ من البداية... ابدأ من الألف باء .. حتى تصل الى واو الوطن: كرامة الإنسان.

إن سألوك عن هويتك ودينك، طائفتك ومكان سكنك... كل الأسئلة لها نفس الجواب، جواب واحد لا تملك غيره، فقل لهم أنا مواطن سوري باقٍ فوق هذه الأرض. وإياك ثم إياك أن تصدق أي منافق جبان، فكلهم يدعون الحق والحقيقة ويبدلون كل لحظة الأقنعة، بينما الدمار هو متعتهم الوحيدة. إن حاولوا استدراجك لمعرفة ميول أهلك - لأي خطب رنانة يستمعون، من يكرهون ومن يلعنون - قل لهم نحن لم نعد نملك مذياع ولا تلفاز، وليس لدينا ما يكفي لشراء صحف ومجلات، فأمي تجاهد كل يوم للبحث عما يكفينا من طعام، بينما ننتقل من مكان الى آخر أكثر أمان. أما أبي، فقد اختفى كغيره من الآباء، لا ندري له مكان، فوق الأرض أو تحتها في الغياب سيان، في الحالتين نحن له صَليّنا، واشتياقه بكينا، وأسباب غيابه جهلنا، فهو لم يكن سوى سائق عمومي لا يهوى في هذه الدنيا سوى الطعام والدخان.

لا تخف إن سمعت صراخا ورأيت من حولك يركضون خوفا، فأنا سأبقى هنا عند باب المدرسة حتى تنتهي كل الفصول. فإن طلبوا منكم الخروج والهروب من قصف أو قذيفة، أو مسلحين ملثمين لا تعلم لهم أصل ولا دين، ستجدني بانتظارك هنا أقف عند الباب. فلا تخف يا صغيري فأمك لن تبرح من هذا المكان.

حافظ على قلمك لا تفقده، فلا نملك ما يكفي لشراء غيره، وانتبه لكل كلمة وكل حرف، بلا ملل ولا تعب ولا كلل، عليك ينعقد الأمل.

أرجوك، لا تفقد الأمل حتى لا نفقد الوطن، فعلمك سلاحي الوحيد للدفاع عن ما سيتبقى بعد كل هذا الدمار.

الله يحميك يا ابني ... يا وطني'

......... من يوميات أم سورية في أول يوم للعام الدراسي الجديد............


رولا البلبيسي
[email protected]



 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة