الوكيل - من رحم الحي المحمدي الفقير بالدار البيضاء انبثقت فرقة ناس الغيوان المغربية في ستينات القرن الماضي لتسطر تجربة فريدة في مسار الأغنية المغربية والعربية، على مستوى اللحن والعمق والالتزام بهموم البسطاء والمحرومين من الناس، وبما تحمله من شحنات تعبيرية قاربت تطلعات كافة الأطياف السياسية.
وجد ملايين المستمعين خاصة في المغرب أنفسهم في كلمات أغاني الغيوان وإيقاعاتها، ولا تكاد تجد مغربيا من تلك الحقبة أو بعدها لا يحفظ كلمات أغان مثل ' و'ين غادي بيا يا خويا'و' ياجمال شد جمالك'و'مهمومة' و'صبرا وشاتيلا' و'سبحان الله' و'ضايعين'.. وهذه الأغاني بنفسها الملتزم، وتشبعها بالهم السياسي، الذي كان يشغل المغاربة والعرب في سنوات مضطربة مثلت التعبير الجمالي المناسب عن معاناة واحباطات طبقات مهمشة ومحرومة ومحبطة سياسيا.
وقد استقت الفرقة موسيقاها من كل أنحاء المغرب بما يتميز به من تنوع ثقافي عربي أمازيغي أفريقي أندلسي، معتمدة في كلماتها على الموروث الشعبي الذي نجح شاعرها العربي باطما في مزجه بروح عصرية شبابية تقبلتها ذائقة ذلك الجيل ومازالت تحظى بالاهتمام..
ملحمة موسيقية
أسست مجموعة ناس الغيوان لتيار من الأغنية السياسية بإيقاعات وألحان عذبة استقطبت مريدين من أرجاء الوطن العربي. وقد أنبتت تلك التجربة لاحقا مجموعات مثل 'جيل جلالة' و'المشاهب' و'لرصاد' وأحباب الغيوان وغيرها من الفرق المنبثقة عنها، والمقلدة لها في المغرب وفي كافة أرجاء الوطن العربي.
ويعتبر بعض المهتمين بالشأن الموسيقي أن ناس الغيوان هي الفرقة الوحيدة التي تذكر المغاربة الآن بمجموعات عالمية أسطورية أخرى مرت بمدن المغرب خلال السبعينيات مثل 'الرولينغ ستون' و'ليتزي بلين' و'بينك فلويد'. ففي السبعينيات مثلا كان يقام الوود ستوك في مدينة الصويرة، ويشرف عليه الفنان الكبير جيمي هاندريكس..الذي استدعى له كل فرق الروك العالمية.
الباحث المعروف في الظاهرة الغيوانية مبارك حنون يقول إن ناس الغيوان استقطبت ذلك الكم من الإهتمام لأنها 'تجاوبت مع هموم اليافعين وعكست قلقهم الفكري والوجداني وهواجسهم ومثلهم وأحلامهم وأوهامهم. وقد كانت كل هذه القضايا تشكل خبزنا السياسي اليومي. كجيل احتجاج وجيل فعل سياسي جديد'.
بوجمعة أحكور(بوجميع) -الذي يعتبر الأب الروحي للفرقة والعربي باطما- وعمر السيد وعبد الرحمان قيروش(باكو) وعلال بعلي، هم أعضاء الغيوان وصانعي مجدها، ولا يحمل أغلبهم موقفا سياسيا ملتزما وتكوينهم لا يسمح لهم بذلك، كما يقول القاص أنيس الرافعي، لأنهم كانوا حينذاك في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات شبابا ينحدرون من الحي المحمدي، والحقيقة -كما يضيف- أن من حملهم هذه الشحنة وأعطى هذا التأويل للغناء الغيواني هم مثقفو اليسار، وقد حدث أن ما كانت تغنيه المجموعة تقاطع مع ما يمر به المغرب من صراعات.
ويؤكد الشاعر المغربي المعروف حسن نجمي أنه 'لم يكن صدفة ذلك الالتفاف الجماهيري حول ناس الغيوان ولا ذلك الاحتضان الفكري والأدبي والنقدي للظاهرة التي أصبحت تاريخا. لقد كتب عن الإنتاج الغيواني وعن مسارات أفراد المجموعة وعمق وأصالة وقوة تجربتهم عدد وافر من الشعراء والكتاب والباحثين والإعلاميين بمختلف اللغات ومن مختلف الحساسيات والأجيال منهم الكاتب المعروف طاهر بن جلون الذي وصف الفرقة بقوله 'مخلصين لجذورهم ولمآثر الإخاء ولمتخيل شعب بأكمله'.
الظاهرة الغيوانية
وبإلقاء نظرة تأملية على تاريخ الأغنية المغربية الملتزمة نجد نجاحا وبروزا وتميزا مهما لفرقة ناس الغيوان استمر منذ تأسيسها في الستينيات وحتى التسعينيات من هذا القرن، ليتراجع بعد ذلك نشاط الفرقة، وانتشار الأغنية الغيوانية الملتزمة تدريجيا، حيث يعتبرها بعض النقاد أنها قد استنفدت مواضيعها وأن الزمن قد تجاوزها، ويبقى مرحبا بها كذكرى طيبة تعيش في النفوس.
ولا يعتبرها عضو الفرقة الفنان عمر السيد مجموعة ناس الغيوان ظاهرة إنما تاريخ تم تسجيله بماء الذهب وقد خفت بريقها بسبب التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها بلاد العرب والعالم، كانهيار الاتحاد السوفياتي وخمود الحرب الباردة وتيار العولمة وثورة المعلومات والأخذ بالحداثة وبروز الراي ثم الهيب هوب والراب كموسيقى بديلة.
ويرى أنيس الرافعي أن الفرقة فقدت الكثير من بريقها القديم بسبب رحيل عدد من أعضائها وكبر سن البعض الآخر 'ناس الغيوان كانت مجموعة أسطورية بفضل الفنانين الذين شكلوها، لكن بعد تواريهم واحدا تلو الآخر( بوجميع ، العربي باطما بالموت / ومرض باكو وانفصاله عن الفرقة فيما بعد )، أضحت علامة فنية تنتمي للماضي، فكان لزاما أن تتوقف'.
ويضيف أن المخرج الأميركي الشهير مارتن سكورسيزي أخبر أعضاء الفرقة بهذا، وعشاق الغيوان يريدون أن يتذكروا زمنها الجميل فقط... أن يتذكروا فحسب صورة المجموعة كما ظهرت في فيلم( الحال) الشهير والذي طاف العالم، وقدم لونا موسيقيا روحانيا يستلهم كل الثرات الموسيقي المغربي الصوفي والروحاني.
ولا ينكر الكثير من المتابعين أن وفاة مؤسس الفرقة ونجمها الأول بوجميع برؤيته وقدرته الإبداعية الفذة ورحيل صوتها المميز العربي باطما أثر كثيرا في الفرقة ونشاطها وإبداعاتها، رغم انضمامم جيل جديد إليها كان له نصيب من الإبداع.
ويقول الإعلامي والشاعر ياسين عدنان إن الفرقة أضافت إلى الحياة روحا احتجاجية جعلتها تتصدر المشهد الفني في السبيعينيات من القرن الماضي كناطق رسمي باسم شبيبة المرحلة. وهذه الظاهرة التي ظن العديدون حينها أنها عابرة ما زالت حتى اليوم قريبة من وجدان كل المغاربة من مختلف الأجيال ومازالت مطلوبة في الأوساط الشبابية وتحيي حفلا في المغرب والخارج.
الجزيرة
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو