الأربعاء 2024-12-11 09:19 م
 

نحن هنا .. ولسنا هناك

03:53 م

بقلم .. رولا البلبيسي



إنه أمر في غاية السهولة أن نبحث جادين في كل صباح، عن خبر عاجل هنا أو سبق صحفي هناك، نطالع الصحف والمجلات، نتابع المقالات والمقابلات، نوافق مع تحليل مُعلق في إحدى المحطات، ونهاجم آخر لا يوافقنا في الرأي الذي نتشبث به، كل من زاويته الضيقة، ثم نعلق على عدة صفحات متاحة من 'الفيسبوك' و'التويتر' و'الواتس آب'، محللين تارة، ومنظرين تارة، وحتى مفتيين تارة أخرى، ونحن هنا نقبع في ديارنا، لا خائفين ولا مبالين، بل مطمأنين أننا نعيش في أمن وأمان، مع أهلنا وأولادنا مرتاحين. اضافة اعلان


إنه أمر في غاية السهولة أن نتحكم في الوقت الذي نريد أن نتابع خلاله الأخبار، و'الريموت كونترول' قابع في أيدينا، ينتظر إشارة من أصابعنا، حتى نشعر أننا اكتفينا فنغير القناة، لنختار ما يناسب لحظتها أمزجتنا، إخباري أو ترفيهي أو فكاهي. وقد نسهر ليلتها مع العائلة والأصدقاء، نشارك في حفل خطوبة أو زواج، متجاهلين ذاك الوخز الخافت الذي ينبعث من ضمائرنا، ونحجب مقارنة الصورة المبهجة هنا، حيث نحن مبتسمين، مع الصورة الحزينة هناك، حيث هم يصرخون على بعد كيلومترات، متحججين أنها هكذا هي الحياة، فرح هنا وأحزان هناك.

إنه أمر في غاية السهولة أن نتراشق بالاتهامات، ويتجاوز نقدنا كل ما هو بناء، ونملأ تحليلاتنا بالجدل العقيم والسباب، متعللين بانهيار جدار الخوف، فنهدم في طريقنا جدران الاحترام والأخلاق والقوانين، متسلحين بشعارات قومية وغيرها دينية، وكثيرا ما تكون عنصرية، متناسين أن النقد بلا عمل هو نقد هدام لا بناء، فنستلذ بهذا الشعور الفوقي الذي يستمد قوته من نقد النظام، أي نظام، متناسين إخفاقنا في توفير البديل، أو نموذج لقائد ملهم أو عمل نرفع به أوطاننا، ونثبت به قدرتنا على بناء أسس للتغيير للأفضل .. لا للفوضى.

نحن هنا ولسنا هناك، لسنا معهم في ساحات المواجهة. معاركنا كلامية تؤجج فيما بيننا نيران العنصرية، ومعاركهم يومية وقد أضحى بؤسها روتينيا. نحن لسنا مكان تلك الأم السورية، التي تخشى على أولادها الصغار عند ذهابهم الى المدرسة، من انفجار قنبلة أو اشتباكات مسلحة، بينما رزقها اليومي قد توقف، ومخزونها الغذائي يُستنفذ، وهي تعلم أن الخاسر الأكبر هو هذا الوطن الذي لا تملك غيره مكانا' تلجأ إليه. تبكي وهي ترى المجازر المرعبة، تقترب كل يوم أكثر من حيها، وربما تكون قد فقدت فيها قريب أو عزيز أو صديقا. تبكي لأن الألم ألمها وحدها، والوجع يتعاظم كل صباح داخلها، والوطن يدخل في دوامات مرعبة لا تجد منها فكاك.

نحن هنا ولسنا هناك، لسنا مكان تلك الأم المصرية، التي فقدت ابنها ذات ثورة، واليوم ترى الثورة لم تكن ثورة، بل لعبة مهندسة بإتقان، هدفها تخدير الشعوب وإيهامهم بأن الحلم تحقق، فتنتزع منها اليوم بقسوة ذاك الشعور بالانتصار، ووهم صدقته بأن ابنها الشهيد مات لهدف نبيل. اليوم، هي قاب هزيمتين، إما الفلول وإما الإخوان، ودم ابنها قد أهدر رخيصا' في هذا الطوفان.

نحن هنا نقبع في ديارنا، لا خائفين ولا مبالين، ننتقد ونحلل ونبرر، بينما الأوطان تُسلب أمام أعيننا، ومصائرها يتحكم بها غيرنا، وساذج من يظن أن الدور لن يطالنا.

فكيف سنحدد اليوم أفعالنا لا أقوالنا؟

اليوم يجب أن نوقظ عقولنا من ظل غيبوبة حقد ما ورغبة دفينة بالسيطرة، لأنه إن تحول الضحية الى جلاد، فإنه يثبت أنه لم يكن يوما يختلف عن جلاده، بل كان ينتظر فرصة للانقضاض!

رولا البلبيسي
[email protected]

 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة