في مقدمة روايته الأولى (تلك الرائحة) كتب مؤلفها صنع الله ابراهيم بأنه عرضها على القاص الكبير يوسف ادريس فأعجب بها، لا بل انه كان من قدمها في طبعتها الأولى. شخصيا قرأت الرواية منذ السبعينيات، و لم اجد فيها شيئا مهما، لكنني احتفظت بأحداثها – ان صح التعبير- في تلافيف طنجرة دماغي.
اليوم، وأنا اعود الى ما قرأته – ذهنيا على الأقل- اكتشف ان التقصير كان مني، لأني لم ادرك الجوهري في الرواية، او انتقدت لغتها المبسطة الممتلئة بأحرف العطف، دون ان ادرك- آنذاك- ان هذا الأسلوب كان مقصودا من المؤلف- وليس نقصا فيه- من اجل ايصال الفكرة.
الرواية تدور حول سجين سياسي يساري يخرج من المعتقل الذي قضى فيه فترة طويلة، فيمارس حياته العادية، في زيارة خالته، او السير في الأسواق واشياء عادية متعددة، لا اذكرها تماما.
المهم ان هذا الرجل كان يشم رائحة كريهة في كل مكان يذهب اليه ..كانت رائحة فاسدة وعطنة في كل مكان، وهذا هو جوهر القصة، فلم يستطع بطل الرواية ان ينسجم مع الفساد العام الذي نتماهي معه .
فلنترك الرواية ولنعد الى ارض الواقع.... فأنا فعلا أشمها في كل مكان، في أروقة الحكومات وفي مكاتب المعارضة التقليدية.... بين اليمين واليسار وما بينهما..أشمها في ثيابي ..ومن تحت إبطي اليمين واليسار وبين..... وفوق وتحت ...اشمها داخل زجاجة العطر وفي معجون الأسنان ورغوة الصابون ..وليفة الجلي .
حينما تدخل الى البيت، وتصدمك رائحة الكاز من الصوبة، يؤكد لك الذين بداخل الغرفة من فترة، بأنك تبالغ ,تتوهم بأن هناك رائحة نفاذة للكاز داخل الغرفة. وهذا ما يحصل مع جميع انواع الرائحة من رائحة الجرابات مرورا بالشوربات، وليس انتهاء بالكرشات.
المهم في الموضوع، انك بعد ان تدخل في الجو يتقلص احساسك بالرائحة تدريجيا حتى تختفي تماما من خياشيمك، وتشرع بتكذيب الداخلين الجدد الى جو الكاز.
السبب في ذلك كما خبرنا علماء الفرنجة ان الخلايا الخاصة بالشم واستشعار تلك الرائحة تكون ماتت مع الدخول في الجو الموبوء، فتبقى الرائحة كما هي، لكننا لم نعد نمتلك القدرة على شمها.
يعني ذلك ان الاعتياد على الجو الموبوء يجعلنا نفقد القدرة على الاستشعار به؛ لأن خلايانا تموت من كثرة الاستعمال، وكلما كانت الرائحة اكثر نفاذية، خسرنا الإحساس بها بشكل اسرع.
هذه ليست حقيقية علمية فقط، بل هي للأسف حقيقة اجتماعية وحقيقة سياسية أيضا وأيضا. ففي جو الفساد العام، نعتاد بسرعة، كذلك في الهزائم على كافة الصعد. الغريب اننا نفقد الإحساس حتى بالروائح الأخرى.....هذا ما يحصل مع الشعوب المرشحة للذهاب بإرادتها الى مزابل التاريخ.
- اعتدنا على الانتهاك الأميركي لحقوقنا العربية في كل مكان !!
- اعتدنا على المجازر الصهيونية المتكررة، حتى لم نعد نفاجأ.
- اعتدنا على القتل والتدمير والتفجير ..صار الموت- موتنا- بالعشرات، مجرد خبر صغير، قد تتجاهله وسائل الاعلام.
-اعتدنا على تهويد القدس
- اعتدنا على ارتفاع الأسعار وتزايد الضرائب وتنوعها بلا قوانين ولا ضوابط!!
- على شعارات الانتهازيين التي تصرخ بالروح وبالدم والأبصر شو اسمه.
- اعتدنا على وعلى وعلى ..
- اعتدنا على دلعونا
- اعتدنا على كل شيء
فقد ماتت الأحاسيس!!
تلولحي يا دالية
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو